فجر يوم جديد: «الحفلة» على شرف «الديب»

نشر في 08-02-2013
آخر تحديث 08-02-2013 | 00:01
 مجدي الطيب ورث الشاب وائل عبد الله عن أبيه شركة إنتاج شهيرة، نجح بطموحه ومعاونة شقيقه لؤي في تثبيت أركانها وتوسيع نشاطها ليشمل التوزيع ودور العرض، لكنه، في ما يبدو، لم يقنع بما حققه، فاتجه إلى كتابة القصة السينمائية واتفق مع المخرج المسرحي خالد جلال على كتابة السيناريو والحوار، مثلما فعل في أفلام: «برتيتا» (2012)، «مقلب حرامية» (2009)، «ثمن دستة أشرار» (2006)، وبين الحين والآخر كان يستقلّ بنفسه ويتحمل المسؤولية كاملة، ويقدم نفسه بوصفه مؤلفاً لعدد من الأفلام كما فعل في أفلام:»المصلحة» (2012)، «مسجون ترانزيت» (2008)، «الشبح» (2007)، وفي غالبيتها كان يبدو «تأثره» أو «إعجابه» بأفلام أجنبية شاهدها، وملكت عليه حواسه فأحبّ أن يقدمها في أفلام من إنتاجه.

  «الحفلة» أحدث أفلام المؤلف وائل عبد الله، وثاني أفلام المخرج الشاب أحمد علاء الديب الذي سبق أن أنجز فيلم «بدل فاقد»، وها هو يحافظ في فيلمه الجديد على جرعة التشويق والغموض والإثارة التي سبق أن قدمها في «بدل فاقد» مع الكاتب محمد دياب والمنتج وائل عبد الله.

تدور الأحداث حول  شريف  (أحمد عز) الذي تختفي زوجته سارة (روبي) ويُكلّف الرائد فاروق (محمد رجب) بالتحقيق في القضية، ليكتشف أن الزوجة اختطفت، فيشكّ في الجميع من دون استثناء، منطلقاً من رواياتهم المتناقضة والمتضاربة حول «الحفلة» التي كانوا ضيوفاً فيها، إلى أن ينتهي الفيلم بمفاجأة لا يمكن لناقد يحترم نفسه وجمهوره والقطعة الفنية التي شاهدها سوى أن يمتنع عن كشف تفاصيلها ليحافظ على إثارتها وغموضها.

أول ما يلفت النظر في فيلم «الحفلة» براعة المخرج أحمد علاء الديب في توظيف الموسيقى المتوترة لـ عمرو اسماعيل والقطعات السريعة (مونتاج أحمد حافظ) واللقطات القريبة المكبرة وحركة الكاميرا اليقظة (تصوير أحمد مرسي)، ما أتاح له الحفاظ على حيوية الفيلم وتدفّق أحداثه والإمساك بخيوطه وخطوطه المتقاطعة وشخصياته الكثيرة من دون أن يفلت منه الإيقاع ويترهل، أو يهرب منه الأداء وتضيع التفاصيل؛ فالدقة حاضرة، والإمساك بتلابيب المشاهد موهبة كشف عنها المخرج الشاب، كذلك قدم درساً عملياً في كيفية استثمار أماكن تصوير محدودة (مركز تجاري، فيلتان، نفق ومحطة مترو أنفاق) في صنع فيلم ثري ومثير يحبس الأنفاس.

تتسم الأحداث بمنطق ومعقولية وواقعية، باستثناء مشهد قسم الشرطة الذي صُمم على الطراز الأميركي (ديكور باسل حسام) بينما انسجمت بقية التفاصيل (ستايلست خالد عزام) مع الخلفية الاجتماعية للشخصيات والطبقة الاقتصادية التي ينتمون إليها .

إلى أن نضع أيدينا على «الأصل الأجنبي» الذي «تأثر» به وائل عبد الله، ونتصور أنه اقتبس الفكرة من الفيلم الأميركيWild Things  (1988)، من إخراج جون هيو ماكناتون وبطولة: كيفن بيكون، مات ديلون، نيف كيمبل ودينيس ريتشاردز.

لا نملك سوى أن نثمن قدرة الكاتب على صنع «حبكة» لم يغب عنها التشويق، واستغلاله لشخوصه المتعددة من دون أن يهمش أحداً منهم أو يحوّله إلى عبء ثقيل على الأحداث، باستثناء غموض مشهد اجتماع المافيا وسيدة المجتمع (جومانا مراد) في أحد الفنادق، والذكاء في توظيف «الحفلة» لاستدراج الأبطال والكشف عن نواياهم وأخطائهم الشخصية التي تضعهم في مواطن الشبهات، وتزيد الشكوك حول تورطهم في جريمة الاختطاف.

يُحسب للكاتب بالطبع اهتمامه برسم الشخصيات ولكنه والمخرج من بعده، قدما شخصية ضابط المباحث حسب الصورة الذهنية التي كرستها الأفلام الأميركية؛ حيث جاذبية الطلة، الهيبة الممتزجة بالبساطة، اتقاد الذهن المصحوب بخفة ظل، وبقية المواصفات التي نجح محمد رجب في الاقتراب منها وتجسيدها، وهو يحاول فك طلاسم قضية بالغة التعقيد، فأقنعنا ورجح كفته كثيراً، كذلك الأمر بالنسبة إلى سارة شاهين التي اجتازت التجربة الصعبة وأدت دورها بإتقان، ولم تعتمد على كونها ملكة جمال مصر (2009).

وبدرجة أخرى من الإجادة تعكس وعي المخرج بقدرات ممثليه، تألق أحمد عز ونجح في التغرير بالجمهور بأداء دور الزوج القلق على زوجته، وهو ما فعله تميم عبده (حما الزوج)، جومانا مراد (سيدة المجتمع)، محمد ممدوح (الصديق)، دينا الشربيني (زوجة الصديق وجارة الزوجة المختطفة)، مها أبو عوف (والدة الزوجة المختطفة) وتامر هجرس (الخطيب القديم للزوجة)، فالكل لديه دافع ومصلحة للانتقام من الزوجة التي جسدتها روبي بأداء فاتر للغاية.

يمكن القول إن الظروف التي تعيشها مصر ظلمت فيلم «الحفلة» كثيراً؛ كان بإمكانه، لو عُرض في توقيت آخر، أن يحظى باهتمام أكبر واحتفاء أفضل بمخرجه أحمد علاء الديب الذي يملك أسلوباً ورؤية ولغة سينمائية، ما سيؤهله إلى احتلال مكانة متقدّمة على رأس قائمة مخرجي السينما المصرية، من دون أن يدّعي أنه يتبنى رسالة وأن فيلمه يرصد ظاهرة الاختطاف في مصر.

back to top