في ظل شلالات المسلسلات على شاشات التلفزيون ستجد مسلسل "القاصرات" يفرض نفسه بقوة بين هذه المسلسلات، فالتطرق إلى موضوع تزويج القاصرات لكهل غني لم يطرح من قبل على الدراما العربية، واستطاع هذا المسلسل رغم أني لم أشاهد سوى حلقتين إلى الآن أن يحوز إعجابي.
المسلسل يجعلك ترى الصورة بشكل أوسع لمسألة تزويج القاصرات في الصعيد، وزواج القاصرات لم يعد مقتصراً على الصعيد، بل امتد إلى اليمن والسعودية وغيرهما من الدول العربية.الحلقة الأولى تحكي عن كهل (يقوم بالدور صلاح السعدني) يبدو أنه تعدى السبعين بكثير، وهو متزوج من طفلتين لم يتعدّ عمرهما 11 سنة، وسيقوم اليوم بعد تدبير من أخته باختيار الضحية الطفلة الثالثة.المؤسف هو ترحيب أهل الطفلة بهذا الرجل الذي قد يكبر من ستتزوجه بستين سنة كأقل تقدير، ويقومون باستلام سعر هذه الزيجة من ذهب وأموال، وارتباطهم بهذا الكهل الغني هو بحد ذاته مفخرة لهم، تجد الأهل يتهافتون ليتزوج هذا الرجل بطفلتهم، وهذه المسألة هي شذوذ جنسي صارخ، وانتهاك لحرمة جسد طفلة، فلا الإنسانية ولا الديانات سمحت أن يقوم رجل بالزواج من طفلة.ويصور المسلسل منظراً مؤلماً للغاية، وهو طلب أخ الطفلة من الكهل أن ترى القرية كلها أن أخته التي لم تتعد تسع سنوات شريفة، ويقام العرس ويحتفلون ويرحبون بهذا الاغتصاب المغلف بورقة زواج زورت بعمر الطفلة لتكون 16 سنة، وكيف تموت هذه الطفلة من النزيف في نفس اللحظة.ويكشف الفساد المنتشر كل من يساعد بالتستر على هذه الزيجة، فالقرية كلها تساعد هذا الكهل المريض جنسياً، والذي يستمتع بزواجه المستمر من طفلات لم يتعدين التاسعة من أعمارهن، وليس هو فقط من يقوم بذلك بل أغلب القرية تقوم به، وبترحيب من المجتمع ومن أهالي الطفلات أنفسهن.تطرقت الدراما لهذه الزاوية التي جعلتني أنتبه إلى هذه النقطة، أن تزويج القاصرات ليس جريمة بين الزوج وأهل الطفلة، بل هي جريمة يقوم المجتمع بمباركتها والتعامل معها بأريحية لأنها تدر المال، وورقة الزواج الرسمية تخدر ضميرهم حتى لا يشعروا بأنهم سمحوا باغتصاب طفولة ابنتهم أمام أعينهم.مناظر مؤلمة ستجدها في هذا المسلسل، خصوصاً حين تقوم أخت السعدني وهي الممثلة داليا البحيري بتشبيه الطفلة التي ماتت بأنها كعجل اشتراه ووافته المنية، ومنذ الصباح الباكر ستبحث له عن طفلة جديدة، وتجد القرية تبتهج لأنهم سيقومون بمصاهرة بنك المال، دون أي اعتبار لما قام به الليلة الماضية حين قتل طفلة. هكذا هي مجتمعاتنا العربية والإسلامية مع كل أسف متخلفة إلى أقصى درجة، فتدّعي حرصها على الشرف وهي تبيعه بأبخس الأثمان، وتدّعي تمسكها بالدين وهي أبعد ما يكون عنه، وتدّعي المثالية في حين هي غارقة حتى الثمالة في الرذيلة."القاصرات" مسلسل ممتاز يتطرق إلى قضية حساسة، أبدع فيها المؤلف سماح الحريري والمخرج مجدي أبوعميرة وجميع الممثلين لا سيما صلاح السعدني الذي أجاد دور الرجل صاحب النفوذ وصاحب الرغبات المريضة، وهنا يكمن دور الدراما الحقيقي في نشر الوعي بين جميع أفراد المجتمع دون أي تمييز لمستواهم الفكري أو العمري أو الاجتماعي.قفلة:أشعر بالأسف حين أشاهد الدراما الخليجية، لا سيما الكويتية تقف مكانك راوح، بين نفس الأفكار: الانتقام بين العم الغني والفقير، وكثرة المآسي وعدم وجود فكر أو مضمون يذكر، فأصبحت الدراما عندنا بلا لون ولا طعم ولا حتى مغزى، ليتنا نستفيد من الدراما العربية التي أبدعت رغم ظروفها السياسية وعدم استقرارها الأمني بطرح مواضيع أكثر جدية وحبكة تستحق المشاهدة!
مقالات
منظور آخر: «القاصرات» جوكر المسلسلات
14-07-2013