بات في حكم المؤكد أن مؤتمر جنيف 2 لن ينعقد أبداً، إذ حتى الأخضر الإبراهيمي، الذي من طبعه التفاؤل دائماً وباستمرار، استبعد انعقاده في الأوقات المقترحة من قبل الدولتين الداعيتين، الولايات المتحدة وروسيا الفدرالية، وهذا يعني أن الخيار الموضوعي المتبقي، الذي لا غيره خيار، هو الحسم العسكري، وتحقيق المعارضة تقدماً فعلياً يخل بموازين القوى الحالية، ويفرض على بشار الأسد، والذين يتخذون كل قراراته، الإذعان لشرط أن تتمتع الحكومة الانتقالية المقترحة بصلاحيات كاملة، بما في ذلك مسؤولية الإشراف على الجيش والأجهزة الأمنية وعلى البنك المركزي أيضاً.

Ad

كان الواضح منذ البدايات، وخلال وقبل مؤتمر جنيف 1، أن الروس يصرون على بقاء بشار الأسد حتى نهاية ولايته الرئاسية التي تنتهي في يوليو العام المقبل، وبكل صلاحياته، وتحديداً الإشراف على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والبنك المركزي، ما يعني أن روسيا الفدرالية تصر وتواصل الإصرار على إجهاض ثورة الشعب السوري، الذي قدم حسب آخر تقديرات دولية أكثر من مئة ألف شهيد، وإبقاء هذا النظام الدموي القاتل ربما إلى ولاية ثالثة ورابعة... وإلى الأبد.

إن روسيا، وهذا كنا قد قلناه مراراً وها نحن نكرر قوله، هي صاحبة هذه الحرب القذرة التي يواصلها بشار الأسد، بسلاح روسي وإمكانات روسية عسكرية وسياسية، ضد شعب لم يعد شعبه، ولم يكن بالأساس لا شعبه ولا شعب والده من قبله، وبالتالي فإن العدو الحقيقي لهذا الشعب وللعرب، الذين يتعاطون مع هذا الأمر بضمائر حية وطنية وقومية، هو فلاديمير بوتين، والدولة التي أصبح قيصراً لها، والتي تضطهد بطرق استعمارية شعوباً إسلامية بقذارة الاستعمار الستاليني وأكثر.

والمؤسف حقاً أن الدول العربية والإسلامية بقيت مستسلمة لهذا الدور القذر فعلاً، الذي بقيت تقوم به روسيا تجاه ثورة الشعب السوري على مدى عامين وأكثر، في حين أن المفترض أن تَرُدَّ هذه الدول إن ليس كلها فبعضها على ممارسات بوتين ومجموعته الحاكمة بتقديم الدعم للشيشان والداغستان وكل شعوب القوقاز، بل وللجمهوريات الإسلامية المفروض عليها فرضاً أن تبقى مجالاً حيوياً للدولة الروسية لتنتفض وتثور في وجه استعمار جديد وقديم لا أسوأ منه.

لقد بات معروفاً ومؤكداً أنه لولا الدعم الروسي المتواصل لما بقي نظام بشار الأسد مستمراً حتى الآن، ولكان رفع يديه استسلاماً منذ الشهور الأولى من انتفاضة الشعب السوري، وبالتالي فإنه لما تجاوزت أعداد الذين قُتلوا من هذا الشعب حسب تقديرات الأمم المتحدة المئة ألف قتيل، ولما حلَّ كل هذا الخراب والدمار بهذا البلد الذي من سوء طالعه أنه حُكم خلال أكثر من أربعين عاماً من قبل عصابة طائفية، ومن قبل عائلة أوصلت سورية إلى ما وصلت إليه.

وكذلك فإن ما بات معروفاً ومؤكداً أنه لولا ميوعة الموقف الأميركي، قبل هذه "الصحوة" الأخيرة، لما تعاطى فلاديمير بوتين مع الأزمة السورية بكل هذه "العربدة"... ويقيناً لو أن الرئيس باراك أوباما يتحلى ولو بالحد الأدنى من شجاعة بوش (الثاني) لما تطاول هذا القيصر الروسي كل هذا التطاول، ولما انتفخت روسيا على هذا النحو، ولما لعبت دوراً أكبر من حجمها الحقيقي بكثير، وبالتالي لما بقي بشار الأسد في موقعه حتى الآن، ولما تمددت إيران كل هذا التمدد، ولما عربد هذا الطائفي حسن نصر الله كل هذه العربدة.