وجهة نظر: هل حقاً أصبح الخليج في مهب الريح؟ (1)
تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير حول مستقبل أسواق الطاقة في العالم، الذي توقع ضمن حزمة واسعة من التوقعات أن يتخطى إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام إنتاج السعودية في عام 2017، حظي بتغطية إعلامية واسعة في وسائل الإعلام العالمية المختلفة منذ تاريخ نشره في الموقع الإلكتروني للوكالة في 12 نوفمبر الماضي. لكن توقعات التقرير لم تحظ باهتمام في الأوساط الإعلامية العربية إلا في وقت متأخر من شهر ديسمبر، كما لم يتفاعل بعض أصحاب الرأي في الشأن النفطي في عالمنا العربي مع ما حمله هذا التقرير إلا بعد أن قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في مجلة "التايم" إن هذا التحول في خارطة إنتاج الطاقة العالمية لابد أن "يتيح للولايات المتحدة درجة أعلى من الحرية عند التحدث مع الشرق الأوسط والعالم".وقد حمّل بعض "أصحاب الرأي" توقعات التقرير أكثر مما تحتمل، حيث رأى بعضهم أن مستقبل دول الخليج، وهي المالك الرئيسي لأكبر احتياطات مؤكدة من النفط الخام، بات بين ليلة وضحاها على كف عفريت، وأن الأهمية الجيوستراتيجية لهذا الإقليم انتهت أو أوشكت على الانتهاء، وأن اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط عامة والخليج خاصة انتهى مع انتهاء حاجتها إلى استيراد النفط من الخارج.
وأرى أن ما ذهب إليه هذا البعض من "أصحاب الرأي" فيه قدر كبير من المبالغة والتهويل، وأن بعضهم اكتفى بقراءة العناوين والخطوط العريضة مما نشر في وسائل الإعلام عن التقرير، ولم يقرأ التفاصيل، ودع عنك أنه لم يرجع إلى التقرير ذاته. ولست أقلل هنا من مخاطر اعتماد دول الخليج اعتماداً مفرطاً على إنتاجها من النفط والغاز، فهذه مخاطر تحدثت عنها في عدة مقالات سابقة وفي أبحاث علمية ضمن مجال تخصصي الدقيق، وهو اقتصادات الطاقة. لكنني أخص هنا أهمية القراءة الدقيقة والتحليل المتأني والمقارن لما يرد في التقارير الدولية. أول ما ينبغي التنبه إليه ونحن نقرأ أي تقرير هو أن ندرك أنه ليس هناك من تقرير يتسم بالحياد التام والكامل، خاصة عندما يكون هذا التقرير صادراً عن جهة تتبع مجموعة من الدول ذات المصالح الاقتصادية الواسعة، كما هو حال وكالة الطاقة الدولية التي أنشأتها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم الدول الرئيسية المستهلكة للنفط في عام 1974، ردا على قرار "أوبك" زيادة أسعار النفط، والقرار العربي حظر صادرات النفط إلى الولايات المتحدة وبريطانيا آنذاك، بسبب موقفهما الداعم عسكريا لإسرائيل في الحرب العربية - الإسرائيلية الرابعة.الأمر الثاني هو أن تقديرات وكالة الطاقة الدولية تميل عادة الى التقليل من إمكانية حدوث نقص في الامدادات النفطية، وكثيرا ما تعرضت هذه التوقعات للانتقاد بسبب أخطائها المتكررة. فلقد سبق للوكالة أن أخطأت في حساب معدل نمو الطاقات المتجددة، وكثيرا ما أخطأت في توقعاتها لأسعار النفط، حيث كانت قد قدرت وصول سعر البرميل إلى نحو 22 دولارا أميركيا في عام 2011، لكنه تجاوز المئة دولار.الأمر الثالث هو أن الاعتماد على قراءة التقرير عبر المقتطفات التي ترد في وسائل الإعلام يحمل مخاطرة عدم فهم المغزى الحقيقي لما يرد فيه، وأحيل القارئ إلى موقع "Talking Biz News"، الذي يكشف فهما مختلفا لما ورد في التقرير بين كل من "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" و"بلومبيرغ". الأمر الرابع هو أن توقعات التقرير، التي وردت في نصه، لا تحمل ذلك القدر الكبير من المبالغة التي أسبغتها عليها وسائل الإعلام، والتي قد يتأثر بها أي قارئ لها، حتى لو كان هذا القارئ هو الرئيس باراك أوباما. وسوف أفصل في المقال اللاحق الفرق بين حقيقة ما أورده التقرير من توقعات وما فهم من مقتطفاته في وسائل الإعلام المختلفة.* أستاذ الاقتصاد - جامعة الكويت