عندما يجري الحديث عن التدويل، فسورية تصلح نموذجاً حقيقياً لذلك الأمر، أما ما يجري عندنا فهو لتمضية الوقت ليس إلا.

Ad

 بدأت مسيرة التدويل للقضية السورية عندما بدأ الحراك الشعبي السلمي، وتطورت الأمور إلى تراجع سورية عن أخذ مقعدها المقرر لها في مجلس حقوق الإنسان خشية من تكرار السيناريو الليبي، حيث كانت ليبيا أول دولة يتم طردها من المجلس. وكان أن حلت الكويت محل سورية مع أن موعدها في المجلس كان في ٢٠١٣. وهكذا فإن مؤتمر الدول المانحة لسورية الذي يعقد في الكويت اليوم يعد إحدى محطات التدويل للقضية السورية التي تتراوح بين تدويل ناعم وتدويل خشن.

ويبحث المجتمعون في المؤتمر عن تعهدات مالية لدول يطلق عليها مصطلح (بلدج) لانتشال الحالة الانسانية المأساوية. الخبرات والتجارب مع مؤتمرات المانحين، تشير إلى أن النتائج عادة ما تكون مخيبة للآمال. وبالذات عندما يقيم نجاح المؤتمر بحجم المال الذي يتم الإعلان عن التعهد بدفعه، وهو، مهما علا رقمه، لا يصلح أن يكون مقياساً وحيدا للنجاح. بل يصبح عنصراً سلبياً إن ركز على الحلول الآنية فقط، دون الإسهام في دعم حلول دائمة، لتثبيت الأمن والاستقرار والعدالة.

ويلاحظ أن التصعيد العسكري كماً ونوعاً في الأسابيع الاخيرة، أدى إلى تفاقم معاناة المدنيين، وبلغة الأرقام فإن عدد القتلى يقدر بـ٦٠ ألفاً دون حساب الجرحى بإصابات خطيرة، ومليون و٢٠٠ ألف مهجر داخلياً، وحوالي ٦٠٠ ألف لاجئ في دول مجاورة. وحيث إنه لم يعد ممكناً التكهن بمتى وكيف ستنتهي المأساة في الساحة العسكرية، إلا أن الوضع الإنساني عموماً ووضع اللاجئين في الداخل وفي الخارج سيأخذ بعض الوقت. ولكي يكون مؤتمر المانحين مغايراً للتجارب السابقة، فالمؤتمرون بحاجة للإجابة عن جملة أسئلة مثل: هل سيقوم المؤتمر فقط بجمع المال أو التعهد به لمعالجة الحالة الإنسانية المتدهورة، أم أنه سيدخل ضمن حساباته المساعدة بدعم حلول دائمة؟ وهل سيعطي المؤتمر جزءاً من اهتمامه لمعالجة الحالة العرقية والمذهبية والدينية التي طفت على السطح، والتي من المتوقع أن تدمر مستقبل استقرار سورية؟ وهل سيكون من ضمن اهتمامات المؤتمر البحث جدياً في دعم إعادة تأهيل البنية التحتية السورية؟ وهل سيبحث المؤتمر قدرات دول الجوار على تحمل أعباء استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها؟ وهي بالمناسبة ليست مالية فحسب، ولكنها تعقيدات سياسية واجتماعية متنوعة، بسبب أوضاع دول الجوار الصعبة أصلاً وطبيعة الانقسامات الموجودة فيها.

 فرصة مؤتمر المانحين، وبالذات في منطلقه الإنساني، أن يركز على حلول أكثر شمولية تساعد الإنسان السوري على العيش بأمان ووئام وتجانس بين كل ألوان الطيف الاجتماعي والديني والمذهبي والعرقي، وإلا فإن ما سيتم التعهد به، سواء تم الالتزام به أم لا، سيصبح مجرد أموال، وأرقام مضافة، قد تكون مفيدة بحدودها الدنيا فقط، على افتراض أنها ستنفق في مواقعها الصحيحة ولمستحقيها.