تجفيف منابع الرشوة (1)

نشر في 01-10-2013
آخر تحديث 01-10-2013 | 00:01
بعض الرشا قد لا يكون لاختراق القوانين لكنه يدفع لاختصار الطريق وإنجاز المعاملة في وقت قصير، ولكن أغلبها وأكبرها يتم لتجاوز القوانين وانتزاع موافقة لا تجوز بالطريق القانوني... وقد خلقنا البيئة الصالحة للرشوة والمحسوبية والتنفيع وخلقنا جيشاً من خبرائها من المواطنين والوافدين، وانتقلت إلينا خبرة دول عربية في تعطيل معاملات الناس حتى يتم دفع «المقسوم».
 علي البداح إذا دخلت إلى وزارة من وزارات الدولة وواجهت تعقيدات الإجراءات وكثرة أعداد المسؤولين الذين تتردد عليهم للتوقيع على معاملتك وكثرة المدققين من محاسبين أو مهندسين أو كتبة عاديين، فأنت داخل في مشروع رشوة.

المسؤول الذي قبل بدون تفكير استشارة بتعقيد الإجراءات أو دلَّه تفكيره وحرصه على تعقيدها ظن أنه يحمي نفسه وعمله من الأخطاء، لكنه يكون في الحقيقة قد فتح الباب مشرعاً للشياطين والمجرمين المزورين والمرتشين... لأنه بهذا التعقيد أضاع المسؤولية ولم يعد بمقدور أحد معرفة أين حدث الخلل أو أين تم التزوير؟

فكل مسؤول يوقع بعد أن يرى توقيع آخر أمامه، وهو يعتقد أن من سبقه دقق وتأكد، ومن خلال هذا الطريق الطويل الذي تسلكه المعاملة يتدخل المرتشون لاختصار الإجراءات أو تزوير البيانات والانتفاع من المتعاملين الذين لا يجدون أمامهم إلا سلوك طريق الرشوة لكي لا يقضوا الوقت في متابعة مملة ومثيرة للأعصاب، وفي غياب كامل للدولة ومسؤوليها المطمئنين لإجراءاتهم الطويلة والمعقدة ومكتفين بها للاطمئنان بنزاهة ودقة هذه الإجراءات.

هذا التعقيد فيه إضاعة لوقت الناس، وفيه ضياع للمسؤولية، وفيه سيل من الرشا أصبح السمة الواضحة لتخليص المعاملات في معظم الوزارات الخدمية في الدولة.

وبعض الرشا قد لا يكون لاختراق القوانين ولكنه يدفع لاختصار الطريق وإنجاز المعاملة في وقت قصير، ولكن أغلبها وأكبرها يتم لتجاوز القوانين وانتزاع موافقة لا تجوز بالطريق القانوني.

نحن خلقنا البيئة الصالحة للرشوة والمحسوبية والتنفيع، وخلقنا جيشاً من خبرائها من المواطنين والوافدين، وانتقلت إلينا خبرة دول عربية في تعطيل معاملات الناس حتى يتم دفع "المقسوم".

ولو كانت الحكومة لا تعرف فتلك مصيبة لكن الحكومة تعرف، لذلك فالمصيبة أعظم، ولو أراد أي وزير تخليص الناس من هذا الشر، فإن الحل بسيط ولا يحتاج إلى جهد كبير. بساطة في الإجراءات وتفويض كامل لعناصر موثوقة باتخاذ القرار بكل ما يختص بأي معاملة تحت مسؤوليته وضمن شروط القانون.

لقد سبقتنا دول في تقديم حلول عظيمة في تخفيف الأعباء على الناس وفي تحسين الخدمة، ولا أعتقد أن أي وكيل أو وكيل مساعد أو مدير في أي جهة حكومية يجهل هذا، ومن المؤكد أن كثيراً منهم اطلع على تجارب الدول المتقدمة وعلى تجارب خليجية في مجال تطوير وتحسين وسرعة تقديم الخدمات والبت في المعاملات دون الحاجة إلى الرشوة.

وللحديث بقية.

back to top