ميا غروندال... صحافية القبض على لغة الغرافيتي

نشر في 31-03-2013 | 00:02
آخر تحديث 31-03-2013 | 00:02
من مميزات بعض الباحثين والصحافيين الأجانب أنهم يجعلون للأشياء قيمة في الشرق، يكتبون عن أمور قد يجدها المواطن العربي عابرة، يكتشف أهميتها حين يخصص أحدهم دارسة عنها، هذا ما فعلته الصحافية السويدية ميا غروندال التي باتت محترفة في متابعة الغرافيتي من زواريب غزة الفلسطينية إلى شوارع القاهرة المصرية، وأصدرت أكثر من كتاب في هذا المجال.
أصدرت ميا غروندال كتاب {غرافيتي الثورة: فن الشارع لمصر الجديدة}، ويحتوي على 430 لقطة ملونة، توزعت بين فصوله الثلاثة والثلاثين. صدر الكتاب باللغة الإنكليزية عن  ThamesandHudsonفي لندن للتوزيع في أوروبا، وعن مطابع الجامعة الأميركية في القاهرة (AUC) للتوزيع في الشرق الأوسط.

توثق الصحافية السويدية من خلال كتابها لظاهرة الغرافيتي بدءاً من صيف 2011. آنذاك، شعر المصريون بأن جدرانهم تتعرض لـ{غزوة} غرافيتية، فالغرافيتيون جعلوا الجدران تحكي أو تسمع (ولها أذان) ولكن قوات الأمن كانت لهم بالمرصاد، ما دفع المؤلفة إلى وصف الغرافيتي في عصر الرئيس حسني مبارك

بـ {الفن المستحيل}.

كان الغرافيتي المصري في أيام مبارك أشبه باللغة المحرمة، ما يقوله الجدار ليلاً تمحوه القوى الأمنية صباحاً، وبين الغرافيتي والغرافيتي المضاد عاشت المدن المصرية في صراع لغة الجدران وحرب الشعارات والرموز، هذه الظاهرة الغرافيتية التي يعتز المصريون أنها متوافرة في بلادهم منذ أيام الفراعنة، وهذه الرموز القديمة ساهمت في جعل هذا الفن مميزاً في مصر ويحمل شيئاً من كوزموبوليتية فنية ودينية وسياسية واجتماعية، وصار مادة دسمة يتهافت على الكتابة عنها كثير من المؤلفين العرب والأجانب، وبدا ذلك من خلال كثرة الكتب التي صدرت عنها في المدة الأخيرة سواء في البلدان الغربية أو بيروت أو القاهرة، كل مؤلف أصدر كتاباً عن الغرافيتي من  زاوية مختلفة.

الغرافيتي المصري أو غيره بات أقوى في معانيه من لغة الشعر التي لطالما تباهى بها العرب، فلغة الغرافيتي ورموزه معروفة لكل عابر وناشط اجتماعي ومدني وتحتسب ضمن «الفن الزائل» أو «العابر»، وهي تخاطب وجدان الجميع، الصغار والكبار. وحين توثق غروندال للغرافيتي تدرك مدى تأثيره في الشارع، تعرف أنها تضعه في اللحظة المتحفية، إذ يمكن للوحات أن تزول عن الجدران ولكنها «خالدة» في التوثيق الورقي أو الصوري، وهذا أمر إيجابي يؤخذ في عين الاعتبار، فالمرء يمكن أن يقرأ مستقبلاً ما سمي «الربيع العربي» من خلال الغرافيتي تحديداً.

في مناسبة إعلامية، قالت غروندال إنها في بداية الثورة المصرية رأت بعض الغرافيتي ولكنها لم تُعره اهتماماً، فكانت تلتقط بعض الصور للتوثيق فحسب، لافتة إلى أن مصر كانت شبه خالية من الغرافيتي إلا من بعض الشعارات المؤيدة للرئيس المصري المخلوع حسني لمبارك أو إعلانات تجارية أو تهنئة بالحج وما شابه. و تفجر الغرافيتي في البداية عبر عبارات التشجيع وتحدي الخوف: {حرية}، {نفسي أكون شهيد وأنت نفسك في إيه؟}، {ما فيش حرية ببلاش}، {مصر حرة}، {مرحباً بكم في مصر الجديدة}، وحالياً {إخوان كاذبون} و{مجرمون} و{قتلة} و{يسقط حكم المرشد} وغيرها.

ثمة أسباب لانتشار الغرافيتي وهو أن المواطن المصري بات يؤمن بأن الأعلام يمارس الكذب الوقاحة، لهذا لجأ الشبان إلى لغة الغرافيتي التي كانت مثل {بابل اللغات والرموز}، فقد وظف الغرافيتيون في أعمالهم لوحات المشاهير من الفنانين والمطربين والسينمائيين لتكون اللغة أقوى وتصل بسهولة الى المواطن العادي، مثل {استنسل} أم كلثوم المرفق بعبارة {للصبر حدود}.  

والمرأة المصرية التي أدت دوراً مركزياً في الثورة، احتلت أيضاً مساحات من الغرافيتي. لم يمثل الأخير جبهة احتجاج ورفض فحسب، بل أيضاً حب الجمال. في فصل بعنوان {الجمال حق}، تقول الفنانة غادة المالك في حديثها لميا غروندال: {من حق الناس العيش في مكان جميل}. ولأجل ذلك تجندت ورفاق لها من الفنانين وزينوا بعض الجدران في حي إمبابة برسومات ابتعدت عن السياسة، توحي بالسكينة والسعادة.

«غرافيتي الثورة المصرية» ليس كتاب غروندال الأول عن مصر، فقد نشرت عام 2009 كتاب «غرافيتي غزة... رسائل الحب والسياسة». ومن خلاله تقول إن من يدخل قطاع غزة يجد أن اللون الرمادي الشاحب هو السائد، ثم ما تلبث أن تبدأ الألوان التي تتزين بها البيوت والمؤسسات لتشيع البهجة في روح المشاهد، وترى أن الشعب الفلسطيني مبدع ويستفيد من أي فرصة لديه للتواصل في ما بين أفراده قادة وشعباً، وهو الأمر الذي دفعها إلى التفكير في توثيق الغرافيتي الفلسطيني في غزة بين دفتي كتاب. وتصوِّر الخطوط والرسومات وفقاً لغروندال مواضيع أساسية تتناول حياة الناس السياسية والاجتماعية.

 سياسياً، مرّت حركة الغرافيتي بمراحل عدة أبرزها مرحلة الاحتلال الإسرائيلي والانتفاضة، فكثيراً ما كان المحتل يجبر أبناء القطاع على محو الرسومات والكتابات، وبعد ذهاب الجنود يعود الرسامون والخطاطون للرسم والكتابة مجدداً. لاحقاً، تغيرت الحال بمجيء عرفات ورجال منظمة التحرير الفلسطينية، فتم تبييض الجدران لتعود وتُزيَّن بسرعة كبيرة برسومات وكتابات الفرح التي عمت على أهل المنطقة مستبشرة بالسلام.

وقد ضم كتاب غروندال عن غزة ما يزيد عن مئة صورة التقطتها بكاميراتها خلال حوالى 10 سنوات في قطاع غزة، كذلك علقت على ما شاهدته في العام الأخير 2009، بأن الجدران تعود تدريجاً إلى اللون الرمادي الشاحب وذلك بسبب الحصار الجائر الذي يمنع دخول حتى الألوان والدهان إلى قطاع غزة. وتنهي كتابها داعية إلى الوحدة الوطنية، بصورة كاريكاتورية لحنظلة، يرافقها تعليق يقول: {يا حنظلة: هل أنت {فتح}؟ أم {حماس}؟ أم شعبية؟ أم جهاد؟ أم...؟ فيجيب: {حنظلة: كم أنك غبي! فأنا فلسطيني}.

ميا غروندال، خدمت في أحد الكيبوتسات الإسرائيلية داخل فلسطين. تنقلت في أماكن صراع مختلفة في العالم. كان اهتمامها بالصراع العربي الإسرائيلي فاتحة لتصب اهتمامها على اللاجئين الفلسطينيين. أقامت معارض عدة حول اللاجئين في أماكن مختلفة من العالم، وأصدرت أخيراً كتاباً بعنوان {الأمل واليأس} حول حياة اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في الوطن والشتات.

back to top