قبل سنة، عندما قادت تجربة مصر الناشئة مع الديمقراطية إلى انتخاب محمد مرسي من جماعة "الإخوان المسلمين" رئيساً للجمهورية، زارت وزيرة الخارجية الأميركية حينذاك، هيلاري كلينتون، القاهرة. ورغم التوتر وهشاشة المؤسسات، أعلنت: "لا مجال للتراجع عن العملية الانتقالية الديمقراطية التي دعا إليها الشعب المصري". ثم أضافت: "يقدم الشعب على خطوة لم يقم بها منذ أكثر من 5 آلاف سنة من تاريخه: يشارك في عملية انتخاب حقيقية".

Ad

خلال السنة التي تلت، لم يشكّل مرسي مثال الديمقراطية، فقد أساءت حكومته إدارة شؤون البلاد، وشهد الاقتصاد تراجعاً حاداً، وخاب أمل الملايين بحكمه. رغم ذلك، يبقى رئيسا منتخباً، ولكن مع تنامي تظاهرات الاحتجاج في الأسابيع الأخيرة، أزاله الجيش المصري من منصبه، وسجنه، واتهمه بارتكاب جرائم خطيرة. وهكذا نفّذ الجيش انقلاباً، ولا شك أن داعمي مرسي محقون بشعورهم أنهم سُلبوا حقهم، فضلاً عن أن الحكومة الانتقالية لا تعرب عن أي رغبة في التوصل إلى تسوية أو التفاوض.

يوم الخميس الماضي، سُئل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مقابلة معه خلال زيارته باكستان عن كيفية تبرير الولايات المتحدة، دولة تروّج للديمقراطية حول العالم، دعمها قمع الجيش المصري، لكن ردّ كيري جاء مبهماً جداً، فقال: "طلب ملايين وملايين الناس، الذين خافوا جميعاً من الانحدار نحو الفوضى والعنف، من الجيش التدخل. ولم يستولِ الجيش على السلطة حتى اليوم، على حدّ علمنا. فثمة حكومة مدنية تدير البلاد، حتى إن الجيش يعيد إرساء الديمقراطية".

يختلف الحذر وتفادي استعمال كلمة "انقلاب"، التي قد تؤدي إلى قطع رزمة المساعدات الأميركية السنوية إلى مصر بقيمة 1.5 مليار دولار، كل الاختلاف عن تأكيد أن الجيش المصري "يعيد إرساء الديمقراطية"، في حين أنه أطاح لتوه برئيس منتخَب.

أخبرنا البيت الأبيض أن تصريح وزير الخارجية لا يعكس سياسة الرئيس. وهذا جيد بالتأكيد لأن عبارات كيري متهورة وخطيرة. فلا شك أن وزير الدفاع المصري، الفريق الأول عبدالفتاح السيسي، سيعتبرها دليل ثقة ودعم وسيشجع الجيش على المضي قدماً في حملته العنيفة والقمعية ضد "الإخوان المسلمين"، علماً أن هذا القمع أدى إلى مئات الوفيات في الصدامات بين قوى الأمن والمتظاهرين. ولا ينفك التوتر في الشارع يتفاقم.

لكن الأكثر ضرراً واقع أن تصريح كيري سيوحي للمسلمين حول العالم أن الديمقراطية مجرد ورقة مناورة تُستعمل حيناً وتوضع جانباً أحياناً. استثمرت الولايات المتحدة قدراً كبيراً من الوقت والجهد لتقنع المسلمين بأن الديمقراطية تشكّل نظام التمثيل وموازنة وجهات النظر الأفضل في المجتمع، نظاماً يتفوق على الحكم العشوائي والمستبد، لكن تعليق كيري سيُعتبر دليلاً على أن الولايات المتحدة لا تؤيد الديمقراطية إلا عندما يمسك أصدقاؤها بزمام السلطة. ولا شك أن هذه الرسالة الأسوأ؛ لذلك من الملح اليوم أن يعبّر وزير الخارجية والرئيس عن تأييدهما الديمقراطية الحقيقية في مصر، التي تشمل جماعة "الإخوان المسلمين" والرئيس مرسي، لا تضطهدهما. كانت كلينتون محقة السنة الماضية حين أصرت على ألا مجال للتراجع عن الديمقراطية، لكن هذا الإصرار ما عاد واضحاً اليوم.