ماذا يكتب «حمد»؟

نشر في 24-02-2013
آخر تحديث 24-02-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري في بدايات تعلمنا الأولى، نحن جيل الكويت الحديثة، كانت الجملة الأولى التي علينا أن نحفظها وننسخها عشرات المرات هي "مع حمد قلم"، ولم يشرح لنا المدرس يومها لماذا مع حمد قلم وليس مسدساً أو ساطوراً. وربما شرح لنا ذلك لكننا من فرط التوق للكتابة نسينا. حين تقدمت سنوات التعلم قليلا أدركنا بسذاجة أن الجملة كانت لنتعلم كيف نكتب حرف الميم في أول الكلمة ومنتصف الكلمة وآخرها. لكن في ما بعد انتبهنا إلى سذاجتنا وأن ذلك ليس هو كل شيء. فالقلم هو وسيلة الكتابة والجملة تتعدى معناها المباشر الى تقديس الفعل، فعل الكتابة. أن تكتب هو أن تكون وتتكون كإنسان يحتاج إلى فكره أولاً كي يستطيع الكتابة.

تغير الوضع في ما بعد، وانتقل الجيل الجديد إلى تغيير هذه الجملة الشائكة والرمزية إلى "أبي يأكل، أبي يشرب"، وهي الصورة المناقضة للفعل الأول، وليست مجال مقالنا هنا. سنعود إلى حمد والقلم الذي معه وكيف سيستخدمه. ما صاحب حمد في بداياتنا الأولى فكر نير ومستنير منفتح على الآخر وعلومه وكتاباته وترجماته، وصاحبه في ذلك الزمن تعلقنا بإصدارات "عالم الفكر" و"عالم المعرفة"، وغيرها من مجالات الفكر والمعرفة ومساحة من الحرية يحسدنا عليها جيل هذا الزمن الذي استخدم التكنولوجيا بديلا للقلم. لكنه وظفها توظيفا سطحيا لدرجة أن قلم حمد البسيط كان أجمل إنتاجا وأكثر غزارة، وهو الذي لم تتوافر له كل مشارب المعرفة المتوافرة اليوم.

ما يحدث اليوم يخرج عن نطاق الوعي البسيط، ويثير حنق كل من تعلم يوما كيف يكتب بحرية لا أقول مطلقة، لكنها حرية مسؤولة بالتأكيد. ويسعد في المقابل الذين صبوا كل قدراتهم على تعلم بعض الماضي المتزمت والمنغلق والمناقض لأبسط قواعد التفكير العلمي. هؤلاء الذين يودون ليس القضاء على حرية الكلمة ومساحة التعبير لكنهم أكثر من ذلك يتمنون لو عاد بهم الزمن إلى الوراء ليقيموا الحد على ابن الرومي ويرجموه، ويجلدوا أبا نواس، ويضعوا رأس أبي العلاء المعري على النطع. هؤلاء الذين نؤيدهم في ضرورة التغيير نحو مزيد من الحريات وتقبل اختلاف الاثنيات وتعدد الطوائف للخروج ببلاد تبحث عن موقع قدم لها بين الحضارات والصناعات الشرسة، ونختلف معهم بنفس الدرجة في طريقة تعاملهم مع الفكر والثقافة والفن والأدب والاقتصاد والسياسة أيضا. وإذا نجحوا في اقتلاع كل ذلك وإلغائه كيف ستكون الدولة التي يعدوننا بها؟

إن القلم الذي حملوه وتعلموا به يتحول إلى معول ليهدم كل ما تم بناؤه، ورفش لاقتلاع الجذور التي لم يمنحها حكام العسكر ماء الحرية لتنموا كما يليق بها. وهم يبشروننا بأنهم لن يكونوا أكثر رحمة بنا ممن سبقهم. إن القلم الذي تعلموا به الكتابة يتحول إلى رمح يغتال كل من يعارضهم فكرا ويختلف معهم في الرأي. سيغتالون مفكرا هنا ولكن لا يستطيعون اغتيال فكره، سيحرقون كتبا هناك ولكنهم لن يقتلعوا الرؤوس التي تؤمن بها، وإذا لم يفكروا لمسافة أبعد من لحاهم الطويلة فإنهم يحفرون بمعاولهم قبورهم هم.

• أعياد مباركة للكويت التي نطمح جميعا أن تظل واحتنا الأجمل ونطمح جميعا أن تبقى كما كانت منارتنا الأروع. أعياد الكويت في يومي استقلالها وتحريرها هي تاريخنا نحن جيل "مع حمد قلم"، وأجيال من سبقونا، وأجيال ستأتي بعدنا نتمنى ألا نخذلها أبدا. ولن تفي الأحرف حق هذه الأم التي تحملت فوق ما تستطيع أم مثلها رغم جسدها النحيل.

back to top