«ميشال شيحا» لنبيل خليفة... باني لبنان المعاصر

نشر في 06-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 06-08-2013 | 00:02
No Image Caption
صدر عن «مركز بيبلوس» للنشر كتاب «ميشال شيحا أول أنبياء لبنان وآخر أنبياء فلسطين» للدكتور نبيل خليفة التي ترجم سابقاً كتابي «فلسطين» (2004)، و{تحولات على المتوسط» (2012).
يعتبر نبيل خليفة في كتابه «ميشال شيحا» أن الأخير هو باني لبنان المعاصر، بمعنى أنه السباق إلى وضع قواعد ومبادئ «لبنان الكيان والدولة» الفكرية الجيوسياسية والسوسيولوجية والدستورية، باعتبار أن مشروع لبنان السيد الحر المستقل النهائي حقيقة جغرافية وتاريخية وتجربة إنسانية حضارية متوسطية.

أما بالنسبة إلى فلسطين، فقد كان شيحا العقل الأكثر تنوراً في مقاربة القضية الفلسطينية، بدءاً بفلسطين الجغرافيا مروراً بصراعه في الجغرافيا والديموغرافيا ووصولاً إلى مشروع الحلم الصهيوني بقيام إسرائيل كـ{سوبر» دولة توسعية تنطلق من حماية أمنها إلى تهديد أمن الدول المجاورة بضغوط عسكرية وسياسية ومائية...

خيارات فكرية

يجمع نبيل خليفة الكثير عن ميشال شيحا كدليل عالم وتحذير للأجيال الشابة من الوقوع في خطأ الحسابات والتقدير في خياراتهم الفكرية والوطنية والسياسية. فاللبنانوية {ماركة} شيحاوية بامتياز، بها يتحدد مصير لبنان التاريخي والوجودي، وفيها جمع العقل والحدس السياسي والخيال الخلاّق، والمنطق فكان المفكر الذي يرى صحيحاً ويرى بعيداً.

تتوزع الكتاب أقسام بفصول متعددة. القسم الأول بعنوان {ميشال شيحا أول أنبياء لبنان}، يشتمل على الفصول التالية: {ميشال شيحا، رائد الخصوصية اللبنانية، ميشال شيحا ولبنان الآخرين، ميشال شيحا: الرجل السياسي التأسيسي، ميشال شيحا باني لبنان المعاصر}. أما القسم الثاني فحمل عنوان {ميشال شيحا: آخر أنبياء فلسطين}! ومن فصوله: {فلسطين في قراءة نبوية، فلسطين ميشال شيحا، إلى خلاصة عامة حملت عنوان {نصف قرن على غيابه، ولكنه حاضر أبداً} رجل ذكي، تحلى بـ{ازدهار الروح والحكمة}.

يبرر خليفة في أحد الفصول أسباب تعلقه بشيحا، وهذه أبرز تبريراته: {في مراجعتي منذ الستينات للموضوعات والقضايا الكبرى التي تناولها ميشال شيحا في محاضراته ومقالاته وكتاباته وفي ترجمتي الجديدة لكتابه {فلسطين}، توصلت إلى قناعة بضرورة طرح السؤال بشكل عكسي، وهو: ما الذي باد أو زال من فكر ميشال شيحا بعد نصف قرن على رحيله؟

ولعل ما يُبقي فكر ميشال شيحا في شبه كماله وراهنيته أنه فكر رجل حمل همّ متطلبات العصر في قضاياه الكبرى بأبعادها الجيوسياسية وآمن بقوة الكلمة وسلطان الثقافة، وعبّر عن ذلك أفضل تعبير إذ جمع في أدبه السياسي أصالة الفكر الإغريقي ووضوح وشاعرية الفكر اللاتيني وراهنية الفكر الأنغلو- سكسوني}.

5 أمور أساسية

يختصر الكاتب بدقائق هموم ميشال شيحا كما عبّر عنها في قضيّتي العصر: قضية لبنان وقضية فلسطين وانعكاساتهما الماضية والحاضرة على العلاقات الدولية والمؤسسات الدولية وعلى الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، مورداً خمسة أمور أساسية لفتته:

الأمر الأول: لبنان ميشال شيحا: إنه لبنان الجبل والبحر، والحضور في العالم، والأرض الضامنة لحرية الطوائف ومصالحها. ولأن ذهب إلى حد القول بأن لبنان فيدرالية طوائف فإنه كان دقيقاً وواضحاً في التفريق بين تنوع الطوائف في السوسيولوجيا المعبّر عنها بقانون الأحوال الشخصية وبين وحدة هذه الطوائف في الأرض والمصير السياسي المعبر عنها بالدستور، وأن الجمع بين الاثنين سياسياً يتأمن بالديمقراطية التوافقية عبر المجلس التمثيلي.  

الأمر الثاني: ميشال شيحا بقدرته الاستشراقية (Prévoyance)، تخطّى منذ الخمسينات ما يعتبر اليوم لقية القرن الحادي والعشرين، أي {دواء} حوار الحضارات والأديان، تحديداً الحوار المسيحي الإسلامي.

الأمر الثالث: كان ميشال شيحا يؤمن ويعمل من ضمن القاعدة القائلة إن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة.

الأمر الرابع: فلسطين ميشال شيحا هي فلسطين الجغرافيا {بلد صغير مكتظ بالسكان لا يمكن أن يجزّأ إلا بضرب من الجنون}. وهي فلسطين الأرض غير الخاوية التي تشهد صراع الديمغرافيتين العربية واليهودية لاجتياز جغرافيتها وبما يهيئ لحرب دينية هي {حرب المئة عام}.  وهي فلسطين حيث عملت الصهيونية على تحقيق مشروعها الحلم بروح دولة إمبراطورية وسوبر دولة عنصرية وتوسعية مجسيّة غريزية. خلفيّته لاهوتية توراتية وتحقيقه تم عبر هجرة اليهود إلى فلسطين وهو لن يتم إلا على حساب جيران إسرائيل، بما يضع لبنان على حدود الخطر الدائم وعلى جفن اليقظة الدائمة.

وهي فلسطين القلق والاحتراز والمقاومة في وجه {مشروع جهنمي لاستعمار الشرق الأدنى برعاية أميركا}، وليس أمام العرب سوى خيار وحيد: المقاومة باعتبارها مسألة حياة أو موت. ولكن العرب يعانون من التردد والضياع والانقسام، ولا يسمعون أو أنهم لا يريدون أن يسمعوا لأنهم {مصابون بثلاثة: تخلف العقل وغياب الرأي وإفلاس العدالة}.

وفلسطين ميشال شيحا هي عنده جرح في وجه لبنان وصميمه، لقد أرادها قبل التقسيم بلداً يمثل ارادة الحياة معاً والتسامح الأقصى والاحترام الكامل لحرية الضمير شأن البلد الصغير لبنان.

الأمر الخامس: على رغم شاعرية ميشال شيحا الأدبية كتعبير عن استراحة الذات المثقلة بالهم الوجودي، فإن أسلوبه الأدبي الراقي يندرج ضمن مدرسة الواقعية التاريخية والتي تعني وعيه العميق للواقع المجتمعي وتحليله ودراسة علاقته بمحيطه الطبيعي والاجتماعي واستشراف مستقبله، مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات الواقع في كل مجتمع تاريخي وما لديه من أفكار وتطلعات روحية وثقافية واجتماعية تمجيداً لحياة جماعة معينة في بلد معيّن}.

ويستنتج خليفة بأن شيحا جمع العقل والحدس والخيال والمنطق والحسّ السليم، فكان المفكر الذي يرى صحيحاً ويرى بعيداً، وهي رؤية تخطى بها عصره، وعمل لدولة لبنان كي تحيا ولدولة فلسطين كي لا تموت...

back to top