أثار سعي عدد من النواب الى تقديم اقتراح بتثبيت «الصوت الواحد» وتعديل المناطق اسئلة عن التوقيت والشكل. ورأى المراقبون في هذه الخطوة التفافاً على المحكمة الدستورية وقرارها المتوقع الذي اعلن سمو الأمير احترامه له مسبقاً.

رغم الأغلبية الساحقة التي حصل عليها مرسوم تعديل قانون الانتخاب إلى "الصوت الواحد" في مجلس الأمة نيابياً وحكومياً، فإن النظام الانتخابي يخضع اليوم مجدداً لمراجعة نيابية وإعادة نظر تشريعية لإجراء تعديلات عليه، بعضها جزئي تتوقف حدوده عند إضافة المناطق الجديدة، والآخر كلي ينسف القانون الحالي بخارطة جديدة لتوزيع المناطق على الدوائر الخمس.

Ad

وتأتي الاقتراحات النيابية التي تنظرها اللجان البرلمانية حالياً استباقاً مبكراً لأحكام المحكمة الدستورية التي نظرت في الأيام الماضية عدداً من الطعون الانتخابية بمرسوم "الصوت الواحد"، وحددت لها جلسات في فبراير المقبل لتداولها، وهو ما يعكس تخوفاً "نيابياً" مما قد تنتهي إليه الأحكام ومستقبل المجلس الحالي.

وتثير عملية تعديل النظام الانتخابي في المجلس الحالي علامات استفهام كثيرة، سواء في التوقيت أو حتى في شكل الاقتراحات الجديدة للدوائر، فأغلبية أعضاء المجلس أعطت مرسوم "الصوت الواحد" الشرعية البرلمانية دون اعتراض عليه، ولم يستغرق إقراره سوى نصف ساعة رغم الأزمة السياسية التي خلّفها المرسوم، والمفارقة أنه "لم يمض أسبوع على إقراره حتى قدم قانون جديد!"، وكأن النواب الجدد يريدون الحفاظ على الصيغة التي أوصلتهم إلى الكراسي الخضراء حتى لو رفضت المحكمة الدستورية وبأي ثمن كان.

ويتضح أن تحصين "الصوت الواحد" بمقترح جديد ليس من شأنه الالتفاف على الحكم الدستوري المرتقب – في حال البطلان – فحسب، بل من شأنه خصوصاً ضرب السلطة القضائية وإلغاء فاعلية رقابتها وانتهاك فصل السلطات، فضلاً عن أن هذا المسلك الملتوي في الممارسة السياسية يتلاعب بفكرة الديمقراطية وبالتوازنات، ما يجعل بعض المختصين يصفه بأنه "اغتصاب للسلطة" تحت قناع القانون.

وفي سابقة دستورية في الحياة السياسية الكويتية، أبطلت المحكمة الدستورية في يونيو عام 2012 مجلس الأمة الذي سيطرت عليه قوى المعارضة بسبب خطأ إجرائي في مرسوم الحل والدعوة إلى الانتخابات، بينما أبقت المحكمة على القوانين التي أصدرها المجلس دون إلغائها.

صوت واحد وعدالة عددية

وتتسلط الأضواء بشكل أكبر على الاقتراح بقانون المقدم من النواب سعدون حماد وحسين القلاف وحماد الدوسري وعبدالرحمن الجيران وخالد الشليمي، والذي أعاد توزيع المناطق السكنية على الدوائر الانتخابية الخمس وفق مبدأ العدالة العددية مع الإبقاء على "الصوت الواحد".

ومعلوم أن أي قانون يعيد توزيع جغرافية المناطق يتطلب دراسة عميقة لتركيبة سكان كل منطقة من حيث الانتماء الطائفي والقبلي والعائلي، لأن تلك التقسيمات أيضاً تتضمن تقسيمات أكثر تعقيداً، ولأن توزيع المناطق يعتبر سلاحاً لتقليص تمثيل فئة أو زيادة تمثيل فئة أخرى.

وفي هذا الصدد تُطرح تساؤلات حول هذا المقترح، يأتي على قمتها: ما هي الأسس الجيوسياسية التي على ضوئها أعيد توزيع المناطق؟ وهل فترة الشهر منذ نهاية الانتخابات حتى تاريخ تقديم المقترح كافية للتعارف بين النواب مقدمي الاقتراح وجلوسهم معاً لصياغة قانون بهذا الشكل وهذا التأثير؟ بل وأبعد من ذلك، هل هذا القانون المقترح تم تجهيزه في مكان آخر منذ فترة وسُلّم إلى النواب لتقديمه إلى المجلس؟ ومن هو المستفيد؟

وفي حين شدد مقدمو الاقتراح، في مقترحهم، على مبدأ المساواة والعدالة بحيث يكون عدد ناخبي كل دائرة مقارباً لنظيره في الأخرى، فإنهم تجاهلوا أن المحكمة الدستورية، وهي أعلى سلطة قضائية في الدولة، أكدت في حكمها الصادر في سبتمبر من العام الماضي بشأن الطعن الحكومي على قانون الانتخاب السابق "الدوائر الخمس والأصوات الأربعة" في جزئية تفاوت الوزن الانتخابي لكل دائرة أن "المساواة المقصودة ليست هي المساواة المطلقة أو المساواة الحسابية"، وهو ما يطرح سؤالاً آخر، لماذا التغيير إذن؟ وهل فهم النواب لمبدأ المساواة أعمق من فهم المحكمة؟… وهل "هناك أمر يُدبَّر له من خلال هذا القانون"؟.

ضربة سلفية مؤثرة

غير أن هذا المقترح تعرض لضربة مؤثرة بانسحاب الجناح السلفي من تبنّيه، بعد أن سحب النائب عبدالرحمن الجيران اسمه من قائمة المقدمين، ما يعني أنه سيواجه برفض من التيار السلفي داخل المجلس وخارجه.

لطالما كان قانون الانتخاب مثار جدلٍ سياسي ونيابي وشعبي كلما طرح على طاولة التعديل، وفي هذه الأجواء المشحونة من خارج المجلس على "الصوت الواحد" تجد الحكومة نفسها أمام مسار وحيد للتعامل مع تلك الاقتراحات، فلا خيار أمامها سوى الدفاع عن مرسوم "الصوت الواحد" الذي جاء بناء على توجيهات سامية، كما هي حال بعض النواب ممّن حملوا لواء التأييد للمرسوم، وأي تغيير في المواقف من الحكومة أو النواب هو إشارة إلى قرار اتخد لتغيير خارطة اللعبة السياسية.