حذر مراقبون من مقترح اللجنة المالية البرلمانية الأخير حول معالجة القروض عبر شراء الحكومة أصل الدين وإسقاط الفوائد، مؤكدين استحالة تحقيق العدالة بين المواطنين ما سيفتح المجال أمام مطالبات جديدة لفئات أخرى، فضلاً عن أنه سيخلق فوضى مالية واجتماعية غير مسبوقة.

Ad

وقال المراقبون لـ"الجريدة" إن "هذا المقترح سيكلف الدولة الكثير مالياً واقتصادياً، كما أنه يخالف الشريعة والدستور، وهو خطوة ستفتح أبواباً لا يمكن غلقها"، منتقدين الحكومة التي لم تستمع إلى التحذيرات المتتالية التي أطلقها البنك المركزي.

وذكر الوزير والنائب الأسبق أحمد باقر أن "توجه اللجنة المالية لا يحقق العدالة، ويخالف الفتوى الدينية الصادرة من وزارة الأوقاف، وسيفتح المجال أمام مطالبات جديدة ممن لم يقترضوا نهائياً أو سددوا قروضهم، فضلاً عن المقترضين من البنوك الإسلامية ما سيكلف الدولة المليارات".

وقال باقر لـ"الجريدة" إن "المقترح يكافئ المتأخر في تطبيق القانون، ويمنحه ميزة على الملتحقين بصندوق المعسرين"، متسائلاً: "هل تريد الحكومة توجيه رسالة للمواطنين بأن القوانين تعدل لمصلحة المخالفين والمتقاعسين؟".

وأوضح أنه "إذا كان الهدف من إسقاط الفوائد تجميل صورة المجلس الحالي فلا شك أن الأمر سيكون عكس ذلك، وسيزيد المقترح من خصوم هذا المجلس، ويكثر من الطاعنين فيه باعتباره أهمل جوانب الشرع والعدالة، وأخفق في حماية المال العام".

وشدد على أن "ما توصلت إليه اللجنة يخالف كل التقارير الاقتصادية والمالية بشأن الاقتصاد الكويتي التي قام بكتابتها وإعدادها مستشارون عالميون كلفتهم الحكومة بذلك مثل توني بلير وماكنزي والبنك الدولي، فضلاً عن توصيات اللجنة الاستشارية الاقتصادية التي كلفها سمو الأمير بدرس الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد".

وقال باقر إن "تقارير هذه الجهات المتخصصة شددت على ضرورة بناء الإنسان، وإيقاف كل الممارسات والتصرفات التي تقوم على استخدام المال في الأمور السياسية وفي ما يمثل عامل هدم لالتزام الإنسان بالقوانين وإنتاجية المواطنين، فضلاً عن أن ذلك سيفرق بين المواطنين ولا يحقق العدالة"، متسائلاً: "لماذا طلبت الحكومة كل هذه التقارير إذا كانت لا تريد تطبيقها؟ وهل هذا التراخي سيؤدي إلى تنمية حقيقية في الكويت؟".

وكشف أن "صندوق المعسرين يعتبر فكرة سمو الأمير، وصدر به قانون طُبق منذ خمس سنوات وحقق الهدف المطلوب منه في مساعدة كل متعثر أو معسر من خلال حصول كل منهما على قرض حسن من الدولة، ونجح الصندوق في معالجة أوضاع 30 ألف مواطن التحقوا به، لذلك السؤال هنا: لماذا يتم اللجوء إلى مثل هذه المقترحات الهدامة خاصة بعدما توافر الحل الأشمل في هذا الصندوق؟".

من ناحيته، رفض وزير المالية الأسبق بدر الحميضي المقترح، مؤكداً أنه يضر بالحالة المالية للدولة، ويؤسس للاتكالية لدى المواطنين، لافتاً إلى أن "هذا الموضوع ليس جديداً إذ يُطرح منذ 2006، وكانت المجالس السابقة ترفضه لضرره بالمال العام والاقتصاد".

وقال الحميضي لـ"الجريدة": "أنا ضد هذا المقترح لأنه في الأساس لا مشكلة قروض في الكويت، خاصة أن نسبة المتعثرين من المقترضين لا تتجاوز 1 إلى 2 في المئة، وهي أقل نسبة في العالم، حيث توجد دول في المنطقة نسبة المتعثرين من المقترضين فيها تتجاوز الـ4 في المئة، ولم تسقط عنهم الفوائد".

وأكد أن "قضية القروض تُطرَح لأهداف انتخابية وسياسية، ونواب الأمة يدفعون فاتورة تصويت الناخبين لهم"، مناشداً سمو الأمير رفض المقترح نهائياً، خاصة عقب تشديدات سموه الأخيرة خلال مؤتمر الدبلوماسيين على ضرورة الحفاظ على المال العام والتقليل من الصرف والتحذير من الاعتماد على مصدر الدخل الوحيد وهو النفط.

وانتقد الحميضي موقف الحكومة قائلاً: "كنا في الفترة الماضية نرى موقفها شجاعاً في رفض إسقاط الفوائد على لسان وزير المالية وأعضائها، وثمنّا لها هذا الموقف الوطني، لكننا فوجئنا بتغيير موقفها مؤخراً، وعليها أن تعطي المواطن مبررات لذلك، لأن تمويل إسقاط الفوائد سيتم عن طريق احتياطي الأجيال الذي يعتبر حقاً للشعب".

ولفت إلى أن هذا المشروع سيكلف الدولة الكثير ويقلل التزام المواطن بالدفع للحكومة، مؤكداً أن نواب الأمة سيطالبون بعد فترة بإسقاط الحكومة لديون المقترضين التي بحوزتها.

ووصف الحميضي منحة الألف دينار بأنها "طامة كبرى"، مشيراً إلى أن "النواب يرون أن تحقيق العدالة سيتحقق من هذا الباب وهذا غير صحيح"، معتبراً أن "النواب خربوا عادات المجتمع الكويتي وجعلوا الفرد يعتمد على ما يسمى (ماما حكومة) في قضية المنح والقروض وزيادة الرواتب، وهذا يشكل خطراً على الكويت يفوق الكلفة المالية".

واعتبر أستاذ الشريعة في جامعة الكويت د. عجيل النشمي أن إسقاط فوائد القروض "صفقة سياسية خرقت مستوى العدالة بين المواطنين، غير مراعية للشرع القائم على المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص"، مؤكداً أن إسقاط الفوائد "مخالفة صارخة للدستور، خاصة مع استحالة تحقيق العدالة في ضوء اقتراحات اللجنة البرلمانية على هذا الصعيد".

ورأى رئيس اللجنة العليا لاستكمال الشريعة الإسلامية د. خالد المذكور "عدم جواز دفع الحكومة للفوائد الربوية من المال العام عن المواطنين الذين اقترضوا بالربا، كون هذا الأمر يعتبر محرماً شرعاً".

وقال المذكور: "من اقترض بالربا فهو آثم على نفسه، وعليه أن يسدد قرضه من ماله الخاص"، مشيراً إلى أن قضية القروض لا تحل بمثل ما اقترحته اللجنة المالية البرلمانية، لما في ذلك من انعدام مقياس العدالة بين المواطنين.

وفي السياق، تحسم اللجنة المالية في اجتماعها غداً مع الحكومة، بحضور نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية مصطفى الشمالي، الصيغة النهائية للتقرير الذي سترفعه إلى المجلس بشأن معالجة قضية القروض، وسط ردود أفعال نيابية رافضة "للحلول الترقيعية" في التعامل مع هذه القضية، كما تناقش الاقتراحات بقانون بشأن قيام البنوك وشركات الاستثمار بإعادة جدولة القروض الاستهلاكية.

وقال النائب عبدالله التميمي لـ"الجريدة" إن "الحل الذي انتهت إليه اللجنة بشأن قضية القروض يعتبر حلاً ترقيعياً جاء كطوق نجاة للشمالي، بهدف إنقاذه من صعود منصة الاستجواب"، مضيفاً: "إذا كان هناك من يقول إن إسقاط الفوائد لا يحقق العدالة، فإن حل اللجنة المالية هو قمة انعدام العدالة الاجتماعية، لأنه لا يعدل حتى بين المقترضين".

واستغرب التميمي رفض بعض رجالات الدين القانون لأسباب شرعية، متسائلاً: "أين كانوا منذ البداية عندما قامت البنوك بوضع فوائد بغير وجه حق؟"، مبيناً أن الحل الذي يرضيه هو إسقاط كل الفوائد لمن اقترض حتى 2008، ومن أعاد جدولة قرضه بعد هذا التاريخ، ومن دخل صندوق المعسرين.

أما النائب طاهر الفيلكاوي فأيد، في تصريح لـ"الجريدة"، من حيث المبدأ مقترح إلزام البنوك دفع الفوائد التي حصّلتها بدون وجه حق قبل أبريل 2008 لمصلحة المقترضين، بعد الاطلاع على تفاصيله.

وأضاف الفيلكاوي أن "القضاء سينصف هذه الشريحة إذا لجأت إليه، لأن الفوائد التي تم تحصيلها من العملاء في هذه الفترة لم تكن قانونية"، مبيناً أن 95% ممن رفعوا دعاوى قضائية ضد أحد البنوك حُكِم لمصلحتهم واستردوا أموالهم، لافتاً إلى أن ما يهمه في أي قانون يُقرّ بشأن قضية القروض هو تحقيقه لمبدأ العدالة الاجتماعية.