سجن زعيم المعارضة النائب السابق مسلم البراك هو سجن سياسي من الدرجة الأولى، وهو جزء من سياسة القبضة الأمنية التي بدأ تطبيقها حينما تم الاعتداء لضرب المواطنين والنواب مروراً بالملاحقات السياسية وقمع مسيرات الاحتجاج السلمية، وسجن المغردين والسياسيين وصولاً إلى مشروع قانون الإعلام الموحد الذي يراد منه تكميم الأفواه لكي تكتمل دائرة القبضة الأمنية المخالفة للدستور والمواثيق الدولية.

Ad

ومما لا شك فيه أن سجن زعيم المعارضة سيفتح الباب واسعا أمام مرحلة جديدة ونوعية من مراحل الصراع السياسي المحتدم، حيث إنه سيكون عامل دفع إيجابياً لتحفيز الحراك الشعبي المعارض وتجذيره أيضاً؛ لأن الوضع السياسي قبل الحكم بسجن البراك حتماً لن يكون هو ذاته بعده، فمسلم البراك ليس معارضاً عادياً بل شخصية سياسية بارزة وقائداً شعبياً معارضاً تصدى لسنوات طويلة لمنظومة الفساد السياسي والمالي التي عملت كل ما في وسعها ولا تزال؛ لإسكاته أو استمالته إلى جانبها، لكنها فشلت فشلا ذريعاً، حيث أصبح مسلم البراك اليوم رمزاً شعبياً بارزاً لمعارضة الفساد السياسي المؤسسي، ونموذجاً حياً للسياسي المدافع بصلابة عن المال العام والثروة الوطنية والمعبّر بصدق عن هموم الناس البسطاء، والمستعد لدفع ثمن مواقفه السياسية ودفاعه عن الوطن والمواطنين بكل رحابة صدر، لذلك فقد أحب الناس مسلم البراك ومنحوه ثقتهم في الانتخابات بأرقام غير مسبوقة في انتخابات مجلس الأمة، وهو الأمر الذي أرعب منظومة الفساد، وجعلها تتحين الفرص للقضاء عليه.

 الناس لا يصدقون، ومعهم كل الحق، كيف يسجن مسلم البراك المناضل الذي أفنى عمره يحارب الفساد المؤسسي بينما كبار الفاسدين وسراق الثروة الوطنية يسرحون ويمرحون؟! الناس لا يعارضون تطبيق القانون بل يعارضون استخدام القانون لأغراض سياسية والانتقائية والتعسف في تطبيقه، فالناس تتساءل مثلاً أين القانون عن اتهامات عضو مجلس الصوت الواحد المتعلقة بالظروف التي رافقت التصويت على حق المرأة السياسي؟ وأين القانون عن المسؤولين عن الغزو والاحتلال وإنهاء وجود الدولة، وتجار الأغذية الفاسدة، وسراق الناقلات والاستثمارات الخارجية، والمتهمين بالإيداعات والتحويلات المليونية، ومن تعدى على أملاك الدولة وسرق أراضيها، وتجار المخدرات والإقامات، وأصحاب المصانع التي تدمر البيئة وتسبب الأمراض الخطيرة، ومهربي الديزل، ورشوة "سيمنز" والمسؤولين عن غرامة "الداو"، وتجار "الدراكيل" وغيرهم الكثير من الفاسدين الذين يخرقون القانون ليل نهار؟!  

قصارى القول إن قضية مسلم البراك هي قضية سياسية من ألفها إلى يائها، والقضايا السياسية من المفترض أن تحل سياسياً وليس جنائياً، والشيء المؤكد هنا هو أن وجود مسلم البراك في السجن سيكون أكثر إيلاماً لمنظومة الفساد المؤسسي من وجوده خارجه، ثم إذا كان البراك مذنباً في ما قاله في ندوة "كفى عبثاً" فماذا عن أعضاء كتلة "الأغلبية" الذين كرروا ما قاله البراك حرفياً وأعلنوا التزامهم به؟ بل ماذا عن الأعداد الهائلة من المواطنين المتضامنين معه؟ هل ستودع السجن أيضاً؟! وأي سجن سيستوعب هذه الحشود البشرية الضخمة؟!