ما يقلق الروائي عادة أن يتناول أحد ما عملا من أعماله برؤية بعيدة تماما عن قصدية المؤلف، وغالبا ما يكون هذا الأحد ما ناقدا أو صحافيا أو قارئا. وهي على أية حال قراءة يختلف حولها آخرون وتبقى رغم تأثيرها الإيجابي أو السلبي مجرد قراءة لا تترك في ذهن القارئ صورة متأصلة عن العمل الأدبي في أبعاده. ولكن هذه الرؤية النقدية أو القرائية هي ليست كذلك حين يتعلق بتحويل الرواية الى عمل مختلف عنها جنسا كاقتباسها لفيلم أو مسرحية. في حالة كهذه ينطبع في ذهن القارئ سواء من قرأ الرواية أو من لم يقرأها ولا يفلت من تأثير العمل المقتبس الا ناقد أو روائي شريطة أن يختلف في رؤيته عن رؤية من اقتبس العمل. هنا تضيق الدائرة وربما بقي الروائي وحيدا ليس معه من يتفهم عمله سوى القلة القليلة.
هذه غالبا حالة القراء الذين يعتمدون على السينما والصورة النمطية للرؤية السينمائية وخير مثال على ذلك عمل ماري شيللي "فرانكشتاين" فالصورة النمطية التي تقفز الى ذهن القارئ هي المسخ، المرعب، القاتل وهي صور تركتها انطباعات السينما وليس العمل الحقيقي للروائية التي لم تصف بطلها أصلا بأي من هذه الأوصاف. الأمثلة كثيرة على تلك الانطباعات السيئة ربما أكثرها أهمية في السينما الصورة النمطية المتوحشة التي تقدمها السينما الأميركية عن الهندي الأحمر والتي حاول انقاذها كيفن كوستنر في "رقصات مع الذئاب".الفيلم الأخير للمخرج البرازيلي والتر سالز وكاتب السيناريو خوسيه ريفيرا عن رواية جاك كاريواك "على الطريق" تناول تفاصيل من الرواية اقترنت في مشاهد العلاقات الجنسية المستقيمة والمثلية وابتعدت عن صميم الفكرة التي كتبها الروائي خلال خمس سنوات في كتيب صغير يحمله معه في رحلات تنقل فيها بين الولايات المتحدة عاملا وحارسا وروائيا يبحث عن ذاته التي افتقدها كسواه من أبناء جيله في مرحلة تعتبر من أصعب مراحل الأدب الأميركي. وهي ذات المرحلة التي هاجر فيها روائيون كبار كهمنجواي وفيتزجرالد غرباء في جنة باريس وبعيدا عن جحيم الحسابات القاسية التي تلت الحرب العالمية الثانية، والتي تحول فيها الاتحاد السوفياتي من حليف الى عدو وتحولت الفكرة الشيوعية التي تبناها الشباب وناهضتها المؤسسة الى فكرة معادية.رواية على الطريق ومجموعة أعمال من أطلق عليهم جيل "البيت" بالرغم مما صاحبها من سلوك لا أخلاقي وعلاقات شائكة ومربكة مثّلها رديف البطل "دين مورياتي" وهو في الواقع "نيل كيسيدي" أو كارلو ماركس والذي هو في الواقع الشاعر الأشهر في الحركة "ألان جينسبرغ"، وربما في تسميته كارلو ماركس مباشرة واضحة لكارل ماركس، بالرغم من كل ذلك هي رؤية مباشرة وحقيقية لصورة الضياع الذي يجب قراءته من خلال أبعاده السياسية والاجتماعية. وليس من مهمة الروائي أن يكتب بمباشرة فجة عن تلك الأبعاد السياسية والاجتماعية ولكنها مهمة القارئ الذي يجب ألا يكتفي بأفعال الأبطال، والسلبي منها على وجه الخصوص، دون أن يدرك أن تلك الأفعال هي محصلة ردود أفعال لأفعال المؤسسة السياسية والاجتماعية تجاه الفرد.المخرج السينمائي الذي يتبنى عملا ولا يستطيع أن يعود به الى الظروف السياسية والتغيرات العالمية التي نتج عنها هذا العمل يستطيع أن يبحث عن قصص الجنس بعيدا عن رواية يعتبرها النقاد من أفضل خمسين رواية في العالم منذ عام 1923 وحتى الآن، ووالتر سالز ليس مخرجا ساذجا فهو من أخرج يوميات دراجة بخارية عن الحياة الأولى لتشي غيفارا ورحلاته في أميركا اللاتينية مع صديقه ألبرتو جرانادو.
توابل - مزاج
على الطريق
03-03-2013