من الانتقادات الكبيرة الموجهة إلى مجلس 2012 المبطل أن الأغلبية البرلمانية حينها لم تستغل قوتها العددية غير المسبوقة، ولا الزخم الشعبي الداعم لها في صناديق الاقتراع في إعطاء صورة مثالية للعمل السياسي والأداء البرلماني، وسرعان ما فقدت تلك الأغلبية بوصلتها السياسية تحت تأثير نشوة الانتصار، وبدلاً من أن تثبت للناس أن مجلسها يمثل كل الأطياف والشرائح وأن تباشر كأولويات بالقضايا ذات البعد الوطني والإصلاحي غلب على الكثير من أعضائها صبغة التطرف في الخطاب والتشريع.

Ad

وكانت الأغلبية وقتها تملك رصيداً من القوانين التي لم تكن كفيلة بإحداث نقلة نوعية في البلد على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والقضائية فحسب، بل كانت تملك الأغلبية المطلقة من الأصوات لفرض هذا الواقع الجديد رغماً عن الحكومة.

وأفرطت هذه الأغلبية أيضاً في كشف حقيقة الإيداعات المليونية والتحويلات الخارجية التي كانت كفيلة بإنهاء الحياة السياسية والمهنية لأقطاب الفساد وأذنابهم إلى الأبد.

واستهلك المجلس، بقصد أو من دون قصد، الفترة القصيرة من عمره للتحرش السياسي بخصومه، والاستعجال بالقوانين المعبرة عن ردود فعل تجاه أشخاص، ولعل أخطاء فردية مثل قانون المسيء إلى الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والمطالبة بعقوبات تصل إلى الإعدام في هذا الصدد، كما جُرَّت الأغلبية إلى تكتيكات الأقلية الصغيرة مثل الأعلام السوداء، وافتعال الهوشات داخل القاعة لرفع الجلسات.

وفي المقابل تمسكت بشعارات براقة للتدريج لقوانين شعبية وذات كلفة مالية مثل القروض وزيادة العلاوات والقرض الإسكاني وما شابه ذلك، وإذا قارنا المجلس الجديد نجده فقط يشترك مع نظيره المبطل في مثل هذه القوانين رغم علم الأعضاء بأنهم غير قادرين أصلاً على إقرارها، ورغم الدعاية السياسية التي يروجون لها.

وما عدا ذلك فإن معظم أعضاء مجلس 2012 قد وقعوا مبكراً في نفس المنزلق وبذات نشوة الانتصار السياسي، وفقدوا فرصة إعطاء نموذج مثالي آخر وبديل للعمل السياسي والبرلماني الراقي.

وأصبح المجلس فعلاً نسخة مكررة لكنها منقحة للمجلس المبطل، وظلت قوانين التحرش السياسي هي نفسها مع تغير الأسماء والجهات المستهدفة من ورائها كالمطالبة بالإعدام للمساس بالذات الأميرية، واحترام العلم، والنشيد الوطني، وإعادة الحبس التحفظي في قضايا الرأي، ومنع أبناء المتجنسين من حق الترشح، والتهديد بفتح ملفات التجنيس، والتطاول على خصومهم بحجة الحصانة البرلمانية، وسوف يواجه هذا المجلس أيضاً مفاجأة العمر القصير، ومن ثم الندم على التفريط بفرصة شيء أفضل للناس.

والنتيجة الوحيدة لأداء المجلسين هي إضاعة وقت البلد بهمومه وآلامه وطموحاته، والمساهمة بقصد أو من دون قصد في إذكاء روح التعصب والانشقاق، والمزيد من التمزيق في جسد النسيج الوطني، ولذلك فإن تجربة مجلسين في سنة واحدة توحي بأن الخلل ليس في النواب حتى لو تبدلوا جميعهم، لكن العلة أكبر وأعمق منا جميعاً، وتقضي المسؤولية الاتفاق على تشخيصها رغم اختلافاتنا لحلها من الجذور.