من عوائق تقدم الثقافة العربية
-1-يرى جانب من الفكر السياسي العربي المعاصر، أن هناك عوائق تقف في طريق تقدم العرب وثقافتهم العربية المعاصرة، ولا يستطيعون إزالتها، ومنها ما أصبح عوائق مزمنة تحتاج الى معجزات أسطورية للتغلب عليها، ومنها:
1- عائق سياسي، ويتمثل بافتقار أغلبية الحكام إلى الشرعية المزدوجة: الشرعية الديمقراطية وشرعية التفاني في خدمة المصلحة العامة، التي تعطيهم الصدقية الضرورية لثقة جمهورهم فيهم. وتالياً الثقة بالنفس، لمصارحة شعوبهم بالقرارات التي تلبي حاجتها الحقيقية، وإن كانت تتعارض مع مزاجها الآني.2- عائق ثقافي، ويتمثل بأنه مازال النقد مرادفاً في وعي النخبة للهجاء، بما هو تسقّط للمثالب، ونية مبيتة لبعث الخذلان. وما زلنا بعيدين عن الفكر النقدي، الذي يؤدي وظيفة المصفاة، التي تمنع الشوائب الفكرية من التسلل إلى التفكير المنطقي. وغياب الفكر النقدي، يفسر انتشار العوائق الذهنية المؤسسة لسوء التفكير، والأهواء السياسية الدينية المحفزة للعمليات والقرارات الانتحارية. ولو سأل المثقفون المشجعون للعمليات الانتحارية أنفسهم عن شرعية هذه العمليات السياسية اللاعقلانية؛ أي عن مدى مساعدتها على تحقيق الأهداف، التي تسعى إلى تحقيقها، كالتحرر من الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية... إلخ. لما تورطوا في مثل هذه العمليات.3- عائق عرقي، ويتمثل بشعور سواد المثقفين والسياسيين، بأنهم أعضاء في قبيلة، لا يليق بهم انتهاك محرماتها.4- عائق فكري، ويتمثل بأن الثقافة العربية ثقافة انغلاق وعنف، ساوت بين رجل الشارع ورجل الفكر، فرجل الفكر بالنسبة إليها كائن تقليدي، لا يفكر بنفسه، ولذلك لا يتوانى في وضع نفسه على "خط الجماهير"، ليفكر بأهوائها السياسية، وأوهامها عن نفسها وهذيانها الجماعي، كما كان يفكر شاعر القبيلة في غابر الزمان.5- إعادة إنتاج ثقافة الانطواء الجهادية القروسطية في العصر الحديث، التي رفعت شعارات:- حداثة خاصة بنا.- تراثنا سياج تفكيرنا.- الجهاد سلاحنا لتحرير فلسطين.وسادت هذه الثقافة في الربع الأخير من القرن العشرين، ومطلع القرن الحادي والعشرين، لأن منتجي هذه الثقافة، لم ينتقلوا من الفكر التبريري "الأصيل" إلى الفكر النقدي "الدخيل".6- عائق إعلامي، ويتمثل بمساعدة جانب من الإعلام العربي، الذي يسعى إلى إرضاء متلقيه لا إزعاجهم، على عدم تقدم الثقافة العربية المعاصرة. فإعلام الرقابة والرتابة، أدى إلى الانغلاق الإعلامي؛ أي رفض إعطاء الكلمة للاتجاهات السياسية والفكرية والفتية غير الاتباعية، لأنها لا تدخل في المنشور الإيديولوجي للسلطة القائمة. فمثلما أن الدولة الحديثة محايدة، لا تنحاز إلى دين ضد دين، كذلك الإعلام الحديث، لا يتعصب لاتجاه سياسي أو ثقافي ضد آخر، بل يقدمها جميعاً بموضوعية احتراماً للتعددية الإعلامية، وحق الجميع في حرية التعبير والتفكير. لأن الإعلام الجدير بهذا الاسم (الحديث) شفاف، يقوم بدور المرآة الوفية، التي تعكس كل شيء، لتتيح للمواطن حرية الاختيار بين الأفكار والبرامج والأشخاص، وفي غياب هذه المقارنة تنتفي الديمقراطية. -2-ومن هنا، أصبحت الثقافة العربية في رأي بعض المفكرين السياسيين المعاصرين في الشرق والغرب أمام هذه العوائق الآنية والمزمنة "ثقافة إرهابية"، ساهمت مجموعات من المثقفين في تكوينها عندما تحولت هذه المجموعات إلى شعراء قبائل، وضمائر دهماء، ومثقفين شعبويين، وكتّاب شعبيين. كما ساهمت مجموعة أخرى من رجال الدين الذين أطلقوا فتاوى القتل والمصادرة، وأصبحوا الأثداء الدافئة لشرعية الإرهاب والبائعين "الشطّار" لصكوك دخول جنة حور العين. ولم تدخر جهداً بعض الفضائيات العربية التي تتعصب لرأي واحد فقط، في أن تنتج منه رأياً ورأياً آخر، فهو الرأي الواحد وظله، أما الرأي الآخر الحقيقي فهو مرفوض، وملعون، ومنبوذ، وتأتي به في بعض الأحيان لتسفيهه، وتسخيفه، وتسطيحه، و(شرشحته) بافتخار، واعتزاز كبيرين، وأخيراً اغتياله بمسدس الحرية الكاتم للصوت. ولو سألنا عن مصدر هذه الثقافة لكان جوابنا أن هذه الثقافة جاءت من مصادر عدة منها:1- ماضينا الممتد في حاضرنا، حيث انتصار الاتباع على الإبداع. وانتصار الرواية على الدراية في تراثنا، والانتصار على جهاد النفس العدوانية.2- لقد جاءتنا هذه الثقافة العنيفة التي تقطر دماً، من تقاليد الحروب والمشاحنات القبلية والطائفية.3- لقد جاءتنا هذه الثقافة العنيفة، من بطش السلطات الغاشمة قديماً وحديثاً.4- وجاءتنا هذه الثقافة العنيفة من ردود فعلنا الهاذية على إحباطاتنا الفردية والجمعية، ومن جروحنا النرجسية، سواء منها المنحدرة من هزائمنا أمام الغرب وإسرائيل، أو الآتية من تربية أسرية قاسية.5- ولا شك أن هذه الثقافة العنيفة جاءتنا، من عدم وجود قطيعة فيها، تؤسس لثقافة جديدة قوامها الحوار والسلام، مثلما حصل في اليابان بانتقالها من ثقافة العنف والانتحار إلى ثقافة السلام، التي بفضلها لم تستنزفها نفسياً صدمة محرقتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين، ولم تمنعها من التحالف مع أميركا التي هزمتها عسكرياً، ولا من "التأمرك" كذلك.-3-إن غياب القطيعة لعوامل العنف الدموي التراكمية، جعل صدماتنا تتحالف مع موروثنا الثقافي، لصياغة شخصيتنا النفسية صياغة ثأرية، حوّلت أخذ الثأر في سلّمنا القيمي إلى قيمة اجتماعية، والتسامح والغفران والجنوح إلى السلم، إلى وصمة عار، وجبن، وخيانة. كما جعلت من الانفتاح على العالم؛ أي على استثماراته وقيمه تفريطاً في الهوية، واقترافاً لـ"أم الجرائم"، وهي التبعية للغرب.* كاتب أردني