عندما أسمع اسم جهاد الخازن (الكاتب اليومي بجريدة  الحياة) يقفز إلى ذهني تلقائياً ومن دون تفكير مسبق اسم الراحل الكبير إدوارد سعيد، تلقائية الارتباط "الشرطي" (كما في تجربة العالم بافلوف والكلب الذي يسيل لعابه كلما دق الجرس) أساسها، وجوهر كتابات الراحل إدوارد سعيد عن مفهوم المثقف الحقيقي، الذي يضع دائماً مسافة بينه وبين السلطة، هو ذلك المثقف "العضوي" ( تعبير غرامشي) الذي يحمل هموم البائسين وقضايا الشعوب ويرفض الظلم، وقد يدفع ثمناً غالياً في حريته وفي مصدر رزقه كالكتابة، بينما "مثقف السلطان" هو مجرد كاتب أجير لدى السلطة، كتاباته لها ثمن، وفكره مجرد سلعة رخيصة تباع وتشترى في أسواق الجهل المظلمة.

Ad

  مثقف السلطة، له دراية وثقافة، لكنه لا يوظفها من أجل البائسين ومن أجل حريات  وحقوق المسحوقين من قبل السلطات الحاكمة، إنما يستغل ثقافة البؤس وسلاسة الكلمة من أجل "تزويق" عرش السلطان، هو يمارس دائماً، وحسب الطلب، عملية تجميل للوجه البشع للاستبداد بمشرط القلم. حين يقوم بذلك، فهو يؤدي دوراً مهماً من أدوار "وعاظ السلاطين" كما كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، حين يباشر هذا الواعظ  الأجير واجبه كما يطلب منه السيد المالك شاريا قلمه وفكره بثمن معلوم، يؤدي هذا المثقف الأجير وظيفة وزارة الإعلام التي ابتلينا فيها بعالم النكد العربي، ويقوم مثقف السلطة بمهمة الإعلان والدعاية لهذا النظام أو ذاك، ويغطي فضائح الأنظمة بستار معلومات كاذبة، يروج لها، ويهلل من أجلها، ويضع السم في الدسم، فالكلمات والحكمة  المطلوبة لها ثمن، كما أخبرنا بريخت في مسرحية "مؤتمر غاسلي العقول"، وهو بهذا يقوم بأكبر عملية تضليل لوعي الناس، حين يطلو اللون الأسود لشكل النظام بألوان جميلة جذابة مثيرة تحجب الحقيقة عن عيون الجهلاء وأنصاف المثقفين.

العمل الذي يؤديه مثقف السلطة هو تزوير للحقيقة وتدليس في التاريخ، وتاريخنا العربي- الإسلامي يشهد بالمثقفين من النوعين، الرديء وعالي الجودة، كاتب السلطان وكاتب الشعوب، خسرنا إدوارد سعيد وابتلينا بالكثيرين من كتبة السلاطين.

لن أرد على ما كتبه الأستاذ جهاد الخازن بحق المعارضة في الكويت أو البحرين، ولن أصنفه في أي فئة كانت، فهذا أتركه لحكم القارئ الواعي، وأعتقد أن ما كتبه عبدالله النيباري في قبس الأربعاء كافٍ.