عندما كنت طالباً في مرحلة البكالوريوس أدرس تخصص "الإدارة الصحية الصناعية والبيئية" في الولايات المتحدة في جامعة "فيرست ستيت" كنت أحمل معي بعض الملصقات التعريفية لإدارة حماية البيئة، وذلك قبل إنشاء الهيئة العامة للبيئة أضعها في ممرات القسم. هذه الملصقات كانت محط تساؤل الكثير من زملاء الدراسة ومن قبل أساتذتي بالجامعة وموضع افتخار لي لأن بلدي الكويت تهتم بالبيئة.

Ad

شاءت الأقدار أن أعود إلى زيارة جامعتي، ولكن بعد أن أصبحت دكتوراً أحمل درجة أستاذ، حيث طُلب مني أن أقدم محاضرة عن تجربة الكويت البيئية لأنها تعرضت لأكبر كارثة بيئية في العصر الحديث، وما تبعه من تخصيص أكبر تعويض مالي تقره الأمم المتحدة، وكيف تم صرف تلك التعويضات؟

طبعا لم أملك أي إجابة للرد على الشق الثاني من المحاضرة ولا حتى لأبسط من هذا السؤال، فنحن لم ننجح في إدارة ملف تدوير النفايات، ولم ننجح في إطلاع المواطن على الحقيقة الكاملة لأنواع التلوث التي يتعرض لها كحق كفله الدستور، ولم ننجح أيضاً في نشر الثقافة البيئية... فكيف لي أن أجيب عن خطة إعادة التعمير التي ظلت أموالها وملفاتها تنتقل من درج إلى خزنة؟!

هذا الملف الذي غاب كلياً عن خطة الحكومة ولم يرف جفن للمجلس الذي أسقط لجنة البيئة المؤقتة، وكأنه لا يرى أهمية البعد البيئي كشريك في التنمية وأحد دعائم الصحة العامة.

قانون البيئة الجديد يترنح أمام المجلس بعد أن فقد صفة الأولية، وكأن من يريد إبقاء الوضع على ما هو عليه نجح في مبتغاه ومسعاه لأن القانون الحالي فاقدٌ كثيرا من الصلاحيات التي لم ولن تمكن الهيئة من أداء دورها الرقابي بالشكل المطلوب، لذا تجدها تبحث عن أدوار ثانوية كان بالإمكان تأديتها من قبل جهات ذات اختصاص.

فعلى سبيل المثال، حملات المداهمة التي يشنها موظفو هيئة البيئة على محلات بيع "الفوم"، كان بإمكان وزارة التجارة أو البلدية ضبطها! وأيضاً طلعات التفتيش التي تقوم بها البيئة لإزالة تجاوزات المخيمات أليست هي الأخرى من صميم عمل البلدية؟!

إن إنهاك موظفي البيئة خطأ يجب ألا يتكرر، فقبل سنوات عدة حذرنا مدير عام البيئة الدكتور محمد الصرعاوي بعدم تبني مشروع إعادة تأهيل موقع ردم نفايات القرين بترك ملف التأهيل لبلدية الكويت لأنها الجهة التنفيذية، وأن الهيئة يمكن أن تؤدي دوراً استشارياً للمساعدة في وضع خارطة التأهيل.

الملف البيئي مازال ساخناً، فالتعديات مستمرة والهيئة تحتاج إلى المزيد من العناية والدعم عبر إقرار قانون جديد للهيئة العامة للبيئة يمكنها من أداء دورها الرقابي على أكمل وجه، ومن ثم مد يد العون لأبناء الهيئة ودعمهم وتأهيلهم فنياً وإدارياً للقيام بدورهم المطلوب. ودمتم سالمين.