التاريخ السياسي للانقلاب
• بين السياسة والتاريخ تنافس ماكر، فالتاريخ في لحظاته الخلاقة يكون مادة للسياسة، ويوظفه السياسيون كيفما شاءوا، وعلى "مشتهاهم"، ويكفينا أن نراقب كيف يتم الاستشهاد بنفس الحادثة التاريخية، لأغراض مختلفة، بين المتصارعين، وكيف، مثلاً سيتعامل المؤرخ بعد عقود مع أحداث مصر، ومن سيصدق، قناة "الجيم" وتوابعها أم قناة "العين" وتوابعها؟• دخل مصطلح "الانقلاب" في الأدبيات السياسية من رحم الثورة الفرنسية، بانقلاب بونابرت متوسطا تلك الثورة، فهو "كو دي تاه"، وهو المصطلح المستخدم دون منافس إنكليزي، وقد تباينت الآراء حوله حتى قيل فيه "التاريخ يكرر نفسه مرتين، في المرة الأولى كمأساة والثانية كمهزلة".
• ويتضح أنه ليست كل الانقلابات عسكرية، وليست كلها دموية، ففي إفريقيا مثلاً ما بين 1952 إلى 2000 تعرضت 33 دولة لـ85 انقلاباً، 42 منها ضد حكومة مدنية، و27 ضد حكومات عسكرية، وفي خمسة انقلابات فقط تم قتل الحاكم المعزول. • وحسب هنتغتون تنقسم الانقلابات إلى ثلاثة أنواع رئيسة؛ الأول هو "الانقلاب الكاسح" الذي يقوم فيه جيش ثوري بالإطاحة بحكم تقليدي، ويستبدله بنخبة بيروقراطية مثل مصر 1952 واليونان 1967 وغيرهما، وعادة ما تقوم به الرتب الدنيا من الجيش، والنوع الثاني هو "انقلاب الكراسي الموسيقية"، ويستهدف إصلاح الأوضاع المهترئة في الدولة ومكافحة الفساد، وأمثلته من باكستان وتايلند وغيرهما، أما النوع الثالث فيطلق عليه "انقلاب الفيتو"، وفيه يتدخل الجيش اعتراضاً على ما يراه انحرافاً للحكم الشعبي المنتخب، وأبرز مثال على ذلك هو انقلاب أوغستوس بينوشيت على الرئيس الاشتراكي المنتخب في تشيلي سنة 1973.• وفي كل الأحوال وعبر قرابة قرن من الزمان بدا أن الحكم العسكري حتى وإن كانت أهدافه نبيلة، فإن طبيعة إدارة هيكل وموازين القوة من منظور عسكري تقود المجتمع غالباً إلى مآس أكبر مما يتم التعويل عليه، وفي أغلب الحالات اكتسب الانقلاب العسكري صورة بائسة في تطور النظم السياسية، وشيئاً فشيئاً أصبح النظام الديمقراطي منافساً له بلا منازع، بل صارت الدول تتحرك ضد الدولة التي يحدث بها انقلاب عسكري، بغض النظر عن التفاصيل، إلا أن المعضلة التي مازالت مستمرة هي كيفية إخضاع المؤسسة العسكرية للإدارة المدنية، وهي ربما أكبر تحد يواجه الشعوب في مراحل بناء بنيتها السياسية على أسس ديمقراطية.وللحديث بقية