تواصل القوى السياسية والحزبية اللبنانية اتصالاتها ومحاولاتها استكشاف الخفايا المتعلقة بالتطورات المفاجئة في ملف الترسانة الكيماوية السورية في ضوء الاقتراح الروسي بوضعها تحت الإشراف الدولي والترحيب الأميركي – الأوروبي المشروط بآلية معقدة وقاسية.

Ad

وبعيداً عن التفسيرات المتناقضة للتطورات الأخيرة بين «قوى 8 و 14 آذار» التي يحاول كل منها خوض معركة إعلامية – دعائية موجهة الى رأيه العام لتحقيق مكاسب داخلية من خلال حرب نفسية تصور في خلالها «قوى 8 آذار» نفسها منتصرة على الولايات المتحدة الاميركية من خلال تحالفها مع المحور السوري ـ الإيراني، وتصور «قوى 14 آذار» في المقابل نفسها منتصرة باضطرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد الى التراجع، معتبرة أن نظامه وإن كان لم يسقط بالضربة القاضية فإنه لا بد ساقط في النهاية من خلال عملية تراكمية سوف تؤدي عاجلا أم آجلا الى سقوطه بفعل تراكم خسائره السياسية والعسكرية والميدانية.

وبعيداً عن السجالات الدعائية والإعلامية والسياسية المستندة الى التحليلات في غياب المعلومات القاطعة، فإن جهات مراقبة ومحايدة تكتفي بالدعوة الى وضع التطورات في إطارها التاريخي والعلمي، مقدمة لاستخلاص العبر والنتائج والانطلاق في التوقعات وقراءة المستقبل.

وتلفت هذه الجهات الى أن السلاح الكيماوي السوري ليس ابن الأشهر القليلة الماضية وإنما هو وليد جهود بدأ ببذلها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي تحت شعار التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل.

وقد استفاد الأسد الأب من انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1978 وبدأ ببناء تحالف استراتيجي مع الجمهورية الإسلامية في إيران راحت معالمه تظهر على أرض الواقع في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بعدما رسخت الثورة قدميها في الحكم، وبدأت بالعمل على تطبيق شعار «تصدير الثورة». يومها التقت مصالح دمشق وطهران على تصور استراتيجي مشترك يقضي بتحقيق التوازن مع إسرائيل من خلال:

- بناء قوة كيماوية سورية بمساعدة مادية وتقنية إيرانية.

- بناء طاقة نووية ايرانية سلمية بمساعدة روسيا والانطلاق من البنى التحتية السلمية بتوظيف قدرات ايرانية ذاتية وخبرات فردية لعلماء الذرة في عدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق بعد سقوطه، لبناء قدرة نووية قابلة للاستخدام في المجال العسكري.

ويعتبر التحالف السوري – الإيراني أن حزب الله في لبنان خط الدفاع عن سورية ونائبا عنها في إلهاء إسرائيل والتعامل العسكري معها بالوكالة عن دمشق وطهران، بالتالي خط الدفاع الاول عن السلاح الكيماوي السوري والبرنامج النووي الإيراني.

وتعتبر الاستراتيجية السورية الإيرانية الترسانة الكيماوية السورية خط الدفاع الثاني عن المحور الناشئ وبالتالي عن المشروع النووي الإيراني. ذلك أن أي استهداف للبرنامج النووي الإيراني من جانب اسرائيل او الغرب يمكن ان يواجه بالتهديد باستخدام السلاح الكيماوي ضد اسرائيل سواء من خلال تسريبه الى حزب الله في لبنان او مباشرة من خلال سورية.

وتدعو الجهات المراقبة الحيادية في لبنان الى قراءة ما يشهده ملف الترسانة الكيماوية السورية من تطورات مفاجئة ومتسارعة في ضوء المعطيات المشار اليها تمهيدا في الدخول في حسابات الربح والخسارة.

وأكثر ما تلفت اليه هذه الجهات هو:

- الحذر الإيراني في التفاعل مع التطورات المتعلقة بالسلاح الكيماوي السوري، واكتفاء طهران بموقف بارد يدعم التوجه الروسي لمنع توجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري.

- الصمت الإسرائيلي المطبق الذي يعكس حالة من الاسترخاء والارتياح لما يجري.

وبحسب المراقبين فإن الموقفين الإيراني والإسرائيلي يعكسان الطابع الاستراتيجي والمحوري للتطورات. فإيران تخشى من أن يكون فتح ملف الترسانة الكيماوية السورية اختراقا لاستراتيجيتها واضعافا لها على قاعدة السعي الى فتح ملفها النووي في مرحلة لاحقة للانتهاء من الملف الكيماوي السوري بما يجعلها «عارية» من أي غطاء وفاقدة لاي خطوط دفاع أمامية عن برنامجها النووي العسكري مما يسهل استهدافه إن لم يكن عسكريا فعلى الأقل بمثل ما آل اليه الملف الكيماوي السوري. 

أما إسرائيل فتبدو مرتاحة الى مسار التطورات التي تورط الولايات المتحدة الاميركية والغرب مباشرة في هذين الملفين اللذين يقلقانها ويقضان مضاجع مسؤوليها منذ سنوات عجزت في خلالها عن اقناع الولايات المتحدة الاميركية بضرورة مساعدتها في توجيه ضربة عسكرية الى البرنامج النووي الإيراني.