يترحم الموسيقار هاني مهنى على الماضي الجميل عندما كان يرافق الفنانين الكبار على المسرح بموسيقاه، ويتألم لحال الفن اليوم الذي انحدر إلى القعر بفعل الفساد المستشري على كل صعيد، لذا ينادي بضرورة عودة {عمدة للفنانين} يتخذونه قدوة لهم ويبدي رأيه في أعمالهم.

Ad

حول مشواره الفني وتقييمه لحال الفن اليوم ولبرامج الهواة كان اللقاء التالي معه.

ما أكسبتك مسيرة 45 سنة في الفن؟

حب الفنان لمهنته، فكلما تعلق بها أصبح مشهوراً واكتسب محبة قطاع واسع من الجمهور، احترام مواعيد الحفلات والتسجيلات، تقديم أعمال جادة هادفة تحترم عقل المتلقي... هذه الأمور وغيرها تضمن الاستمرارية للنجم على الساحة الفنية حتى لو غاب عنها.

كانت بدايتك في حفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ... ما تقييمك لتلك الفترة؟

يطلق عليها {زمن الفن الجميل}، كان الفن عبارة عن منزل واحد يترأسه الأكبر والأقدم ويُلقّب  بالعمدة، أذكر على سبيل المثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ومحمد فوزي... وكان كل مطرب يظهر على الساحة يخاف ويقلق، عندما يعلم أن هذه الشخصيات ستستمع إلى أعماله، وكان ذلك حافزاً لتقديم أعمال متميزة.

كيف تطورت علاقة الموسيقى بالأغنية؟

كانت الأغاني الرومنسية في منتصف الخمسينيات حتى نهاية التسعينيات الأكثر احتراماً للموسيقى، بل كانت تخصص لها وقتاً مثل مقدمة {أنت عمري} لأم كلثوم، ومقدمة {نبتدي منين الحكاية} لعبد الحليم، وهما بمثابة ملحمة ترضي مشاعر المتلقي الراغب في الاستماع إلى مقطوعة موسيقية جميلة، ثم يدخل المغني ليضفي حلاوة أخرى عليها. اليوم اختفت هذه المظاهر وأصبحت المقدمة صغيرة اقتداء بالأغاني الأجنبية، وهذه سلبية أرفضها لأنها تقود إلى وضع لحن سريع، بغض النظر عن الرسالة التي تحملها الأغنية في خمس دقائق.

والغناء الشعبي؟

اختلف من نواحي الموسيقى والكلمات والإلقاء، حتى المونولوج الذي قدمه شكوكو وثريا حلمي وسيد الملاح كان هادفاً وينتقد سلبيات موجودة في المجتمع، ويلتزم بأخلاقياته وآدابه. اختفى الحراك والتكامل بين الفن الجاد والشعبي المضحك، وأصبحنا اليوم مشتتين، وثمة انفصال بين الفنون. حتى الغناء الشعبي العاطفي سيطرت عليه موسيقى صاخبة وكلمات مهينة للحبيب مثل {قوم اقف وأنت بتكلمني}، ومبتذلة مثل {هاتي بوسة يا بت}.

كيف تصف حالة الغناء في الماضي؟

كانت {عذرية} ولم تستخدم مفردات التأنيث بكثرة، فنجد حليم يغني {حبَك نار}، ويطربنا عبد الوهاب بـ {قالولي هان الود عليك}، بخلاف لغة الاستحلاف السائدة اليوم مثل {والله سأنتقم منك وستندم}، لذا أنادي بعودة {العمدة} إلى الغناء والموسيقى.

ما الذي أدى إلى هذا التغيير؟

انعدام التواصل بين الأجيال؛ يقول المثل الشعبي {من ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل}، في إشارة إلى ضرورة التواصل بين الفنانين الكبار والصغار، لكن للأسف هذا غير موجود إلا في حالات قليلة ملتزمة ومحترمة فنياً، فيما الفئة الغالبة أكثر تمرداً على قواعد الفن.

ما مصير فرقتك الموسيقية؟

توقف نشاطها حتى قبل قيام ثورة يناير، بسبب حالة الفساد التي كانت منتشرة في ظل النظام السابق، رغم اقتناعي بأن الوضع الحالي أسوأ، إذ انتشر الفساد بشكل أكبر ولكن بصور أخرى، إلى جانب انتفاء الحاجة إلى هذه الفرق، فبعدما كان يتم تقديم الموسيقيين قبل كل حفلة من خلال مقطوعة من تأليفهم، اختفت هذه الشكليات ولم تعد موجودة إلا في حالات نادرة.

وكيف تقيّم الحفلات الغنائية اليوم؟

منذ دخولنا عصر العولمة والخصخصة، أصبحت حفلات ليالي التلفزيون وغيرها تقام في مارينا، يحضرها جمهور حافي الأقدام ويرتدي السراويل القصيرة وألبسة البحر ويتناول سندويتشات أثناء استماعه إلى المطرب. من هنا بدأت وظيفة الفن تتحول إلى تسلية جمهور غير مثقف، بعدما كانت غذاء للروح ومداعبة للوجدان وثقافة لجمهور يرتدي ملابس رسمية، ويستمع إلى الموسيقى.

هل اختفى العازف النجم اليوم؟

الموسيقي الذي يساهم في نجاح العمل ما زال موجوداً، لكن واجهة العرض غير موجودة، فالبلاد الحديثة العهد بالفن مثل مسقط وعمان والكويت وجدة تقيم مهرجانات للأغنية على أعلى مستوى وبموازنة رهيبة، ما يبرز اهتمامها بالفن خلافاً للحال لدينا بعد ثورة يناير.

وما سبب هذا التدهور؟

وزراء الإعلام الذين يتولون هذا المنصب، فغالباً ما يكون ولاؤهم للكبار، لأنهم بحاجة إلى أموال لصرف المرتبات بشكل دوري، فيعجزون عن طلب موازنة  أخرى للحفلات، رغم أن الموسيقى والفن عموماً من شأنهما تخريج جيل محترم غير منحرف.

كيف تقيّم حال سوق الكاسيت؟

يعيش أسوأ عصوره بسبب ضياع حقوق الملكية الفكرية وسهولة تحميل الأغنيات عبر المواقع المختلفة على الإنترنت، من دون أي رسوم وقيود.

هل هذه المعاناة تصيب الفنان في البلدان كافة؟

 لا، وضعت الإمارات، على سبيل المثال، حصانة على الإنترنت فلا يستطيع أي فرد تحميل أغنية إلا بعد دفع مقابل مادي عبر البطاقة الذكية.

كيف تتعامل مع هذا الأمر؟

حددت موعداً للقاء مسؤول الاتصالات في وزارة الداخلية، لوضع حل لهذه القضية التي تهدد صناعة الغناء عموماً، ولفت انتباه الدولة إلى هذه الثروة.

ماذا عن برامج اكتشاف المواهب؟

هدفها التسلية والترفيه ولا يمكن التعويل على لجنة التحكيم، لأن هذه البرامج تشكل  دورة استثمارية من الدرجة الأولى، تبدأ من المنتج ثم الفنان ثم المعلن الذي يدفع بإعلانات كثيرة لا علاقة لها بالمضمون، إلى جانب مشاركة أصوات غير جيدة، وأستغرب موافقة اللجنة عليها وتمجيد موهبة صاحبها. ثم لم تستثمر موهبة فنياً بعد  تخرجها، في حين أن مطربين أجانب كباراً تخرجوا في نسخ هذه البرامج الأصلية، مثل ريانا وسيلين ديون وغيرهما...

هل تفيد علاقات المطرب في تحقيق الشهرة؟

قد تساعده هذه العلاقات في تحقيق شللية مع ملحن يقدم له لحناً مميزاً أو مع منتج يوزع أغنيته على نطاق واسع، لكن لن يصبح فناناً حقيقياً.

إلى من تحب الاستماع من الموسيقيين؟

لا وجود لمؤلفين موسيقيين سوى في شارات المسلسلات والأفلام، أبرزهم عمار الشريعي وياسر عبد الرحمن.

من مطربك المفضل؟

كل مطرب صاحب صوت سليم وإحساس عالٍ وقادر على صناعة حالة سلطنة لنفسه ولدى المستمع أيضاً حتى  لو كان جديداً.

هل تشجع تجربة المطرب الممثل؟

إذا كان يتمتع بموهبة التمثيل يمكنه خوض هذا المجال. نجح مطربون كثر في هذه التجربة مثل محمد فوزي، فيما كانت لآخرين تجاربهم التمثيلية على استحياء من بينهم كارم محمود ومحمد الكحلاوي.

من أذكى مطرب برأيك؟

عمرو دياب وتامر حسني رغم كونهما من الأصوات غير الطربية، إلا أنهما حققا جماهيرية بذكائهما.

ومن المطرب الذي يملك موهبة عظيمة ولم يأخذ حقه في الظهور؟

أي فنان ذكي وصوته متميز وسريع البديهة هو نجم متألق، فالموهبة وحدها لا تكفي لتحقيق النجاح. مثلا ساهمت موهبة عمرو دياب بنسبة 25% في تحقيق جماهيريته، وتتعلق النسبة المتبقية بذكائه وإدارة تخطيط جيدة وحسن التفكير في المستقبل. كذلك حقق صوت عبد الحليم 50 % من جماهيريته ويرجع الباقي إلى الأسباب نفسها.

وما توقعاتك لمستقبل الفن في ظل التيارات الإسلامية؟

أتمنى أن يستوعب النظام الحاكم الحضارة المصرية ويدرك أن هذا البلد قبلة الفن العربي، يشهد على ذلك الفنانون العرب الذين ما كانوا ليشتهروا لولا هذه الأرض،  أو يهتموا بالفن لولا اقتناعهم بمدى تأثيره في المواطنين، فقديماً كان البائع يلقي قصيدة حفظها رغم جهله بمعاني كلماتها.