استعرض الروائي حميد الأمين محطات مهمة في مشوار المتصوف حسين بن منصور الحلاج، مستذكراً صدامه مع السلطة ومحاربته لبؤر الفساد.

Ad

جاء ذلك، ضمن ندوة أدبية نظمها ملتقى الثلاثاء الثقافي بعنوان: «الحلاج شهيد العشق الإلهي» في جمعية الخريجين، تحدث فيها الروائي العراقي حميد الأمين، وأدار الجلسة كريم الهزاع.

استلهم الأمين مضمون الندوة من مجموعة مراجع موثقة تناولت سيرة المتصوف حسين بن منصور الحلاج، مستهلاً حديثه بسرد بعض التفسيرات لمفردة الصوفية، مشيرا إلى أن الحلاج عُرف بصلته الوثيقة بالأمور الباطنية مع حرصه الشديد على ممارسة الظاهر من الشريعة، ورغم هذا الالتزام فإنه لم يعتنق أحد المذاهب، بل أخذ من كل مذهب أصعبه وأشده، كما اتخذ منحاً يختلف عن التقليد المتبع لدى المتصوفين، فقد اصبح التصوف عنده جهاداً في سبيل إحقاق الحق ولم يعد مسلكاً فرديا بين المتصوف والإله فحسب. إنه جهاد ضد الظلم والطغيان في النفس وجهاد الظلم والطغيان في المجتمع.

وأضاف الأمين: «تماشياً مع مفهومه الجديد قصد الحرم المكي مجتهداً بترويض نفسه يأكل القليل وينام القليل ولا يتقي الحر والبرد، وعقب مرور عام على مكوثه في مكة، سلك اتجاهاً آخراً ساعياً إلى المعرفة والجهاد ضد النفس وشن حرباً على الظلم والاستبداد وبدأ يدعو إلى إرساء مبادئ العدل وإعلاء الحق».

دعوة إصلاحية

وعن رحلته إلى الأهواز وخراسان، أوضح الأمين أن الحلاج استقر مدة خمسة أعوام في هذه الأقاليم يمارس جهاده الروحي ورياضته الجسدية، ثم شدّ الرحال إلى بغداد والتأم حوله مجموعة من المريدين والأنصار، لكن هذا التأييد جابهه بعض الأقاويل التي توسم الحلاج بالسحر والشعوذة. ولم تؤثر هذه الشائعات على دعوته الإصلاحية ونقمته على الفساد وثورته على المفسدين.

وبشأن رحلته إلى شرق آسيا، قال ان الحلاج تعرّف في بلدان الهند والصين وما بينهما من مواطن العرفان على مسالك الحكمة في هذه البلدان كما ترك مكانة مرموقة بين هؤلاء الأقوام، وتوجست السلطة في بغداد آنذاك خيفة من هذه الرحلة، وانشغل الحلاج بدعوة الناس إلى الصلاح وعصيان النفس الأمّارة بالسوء ونبذ الرذائل، كما يدعوهم إلى الحب الإلهي الذي يصل بالمرء إلى التوحيد الحق، وأخذ يدعو أيضا إلى التخلص من الأنا.

وأردف: «وبموازاة هذا التوجس السلطوي كان الفقيه محمد بن داود ناقماً على أفكار الحلاج فرفع أمره إلى القضاء بتهمة الكفر، بينما عارض القاضي بن سريج هذا الطلب».

اتهام

أكد الأمين أن الحلاج لم يضعف ولم يهدأ ملتزماً بمبادئه محافظاً على نهجه رغم كل ما تعرض له، وأخذت ميوله الثورية تقوى كلما زاد الظلم والجور والفساد، لكن المتربصين به حينما عرفوا علاقته بأبي عمارة محمد بن عبدالله الهاشمي اتهموه بتشكيل خطر على مركزهم السياسي وعلى مصالحهم الشخصية فألقوا القبض عليه لكن فتوى بن سريج منعت محاكمته وإعدامه، ولم تشفع له الفتوى بإطلاق سراحه وظّل في السجن 8 أعوام الى حين تقديمه مرة أخرى للمحاكمة وإعدامه.

وتابع الأمين: «أخذ أنصاره يتحلقون حوله في سجنه مثلما كان تلاميذ سقراط يتحلقون حوله عندما كان مسجونا في أثينا، وكما رفض سقراط الهرب من سجنه رفض الحلاج هو الآخر الفرار من سجنه في بغداد».

مشهد الإعدام

وفي حديثه عن مشهد إعدامه، لفت الأمين إلى أن الحلاج جُلد ألف سوط قبل أن يضرب السيّاف عنقه، مبيناً أن الفقهاء اختلفوا في شرعية إعدام الحلاج، مشيراً إلى انتشار عقيدة الحلاج في معظم الأقطار الإسلامية من ماليزيا شرقاً إلى الأندلس غربا ومن آسيا الصغرى شمالا إلى السودان جنوبا، كما شغل الحلاج الفكر والأدب ومازال فقد كان شاعراً يحملك إلى أجوائه الجمالية والفكرية والروحية وأهم ما في عقيدته الحب والغيب والعقل وعالم الشهادة، والسر والبوح وشطح المحب، وكذلك اللاهوت والناسوت.

مرثيات

قدّم الشعراء والفلاسفة مجموعة من قصائد الرثاء بالحلاج، ومن مرثية السهروردي هذه الأبيات:

وا رحمةً للعاشقين تكلفوا/  ستر المحبة والهوى فضاح/ بالسر أن باحوا تباح دماؤهم/ وكذا دماء البائحين تباح/ وإذا هم كتموا تحدث عنهم/ عند الوشاة المدمع السفاح.

كما أنشد ابن العربي بعض الأبيات ومن أجوائها: فمن فهم الإشارة فليصنها/ وإلا سوف يقتل بالسنان/ كحلاج المحبة إذ تبدت/ له شمس الحقيقة بالتداني/ فقال أنا هو الحق الذي لا/ يغير ذاته مر الزمان.

ثم فتح باب النقاش، وقد لفت محتوى الندوة الحضور وأثاروا استفسارات منوعة حول هذا المتصوف وتفكيره.