الأخلاق والزراعة

نشر في 18-01-2013
آخر تحديث 18-01-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت تُرى هل ينبغي للدول الغنية- أو المستثمرين المقيمين هناك- أن يشتروا أراضي زراعية في الدول النامية؟ أثير هذا السؤال في تقرير الصفقات العابرة للحدود الوطنية لشراء الأراضي للزراعة في الجنوب العالمي، الصادر في العام الماضي عن "شراكة مصفوفة الأراضي"، وهي عبارة عن اتحاد مؤلف من معاهد البحوث والمنظمات غير الحكومية الأوروبية.

ويبين التقرير أنه منذ عام 2000، اشترى مستثمرون أو هيئات حكومية في دول غنية أو ناشئة أكثر من 83 مليون هكتار (أكثر من 200 مليون فدان) من الأراضي الزراعية في دول نامية أكثر فقراً. وهذا يعادل نحو 1.7% من الأراضي الزراعية على مستوى العالم.

وقد أبرمت أغلب صفقات الشراء هذه في إفريقيا، حيث تم ثلثاها في بلدان ينتشر فيها الجوع وتتسم المؤسسات المخولة سلطة تعيين ملكية الأراضي بالضعف، ويبلغ مجموع الأراضي التي تم شراؤها في إفريقيا وحدها مساحة من الأرض المزروعة تعادل مساحة كينيا.

ويُقال إن المستثمرين الأجانب يشترون الأراضي التي تُرِكَت عاطلة؛ وبالتالي فإن شراءها لتحويلها إلى أراض منتجة من شأنه أن يزيد من المتاح من الغذاء إجمالاً، بيد أن تقرير "شراكة مصفوفة الأراضي" وجد أن هذه ليست الحال: ذلك أن ما يقرب من 45% من عمليات الشراء تشمل أراضي محاصيل منتجة بالفعل، وثلث الأراضي التي تم شراؤها كانت غابات، الأمر الذي يشير إلى أن تطويرها قد يشكل تهديداً للتنوع البيولوجي.

والاستثمارات في هذا المجال خاصة وعامة (على سبيل المثال، من خلال كيانات مملوكة للدولة) وتقع في ثلاث مجموعات مختلفة من البلدان: الاقتصادات الناشئة مثل الصين، والهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، وماليزيا، وكوريا الجنوبية؛ ودول الخليج الغنية بالنفط؛ والاقتصادات المتقدمة الغنية مثل الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية. وفي المتوسط، سنجد أن نصيب الفرد في الدخل في الدول التي كانت مصدر هذه الاستثمارات أعلى بأربعة أضعاف من نظيره في البلدان المستهدفة.

ويتلخص الغرض من أغلب هذه الاستثمارات في إنتاج الغذاء أو محاصيل أخرى للتصدير من الدول التي يُستحوذ فيها على الأراضي، لسبب واضح مفاده أن الدول الأكثر ثراءً قادرة على دفع ثمن أعلى في مقابل الناتج. وأكثر من 40% من هذه المشاريع تهدف إلى تصدير الغذاء بلد المصدر، وهو ما يشير إلى أن الأمن الغذائي هو السبب الرئيس لشراء الأراضي.

وتطلق مؤسسة "أوكسفام" الدولية على بعض هذه الصفقات وصف "الاستيلاء على الأراضي"، ويشير تقريرها الصادر بعنوان "أرضنا... حياتنا" إلى أنه منذ عام 2008، تقدمت المجتمعات التي تضررت من مشروعات البنك الدولي بإحدى وعشرين شكوى رسمية ادعت فيها حدوث انتهاكات لأراضيها. وفي سعيها إلى لفت الانتباه إلى عمليات استحواذ واسعة النطاق على الأراضي وانطوت على انتهاكات مباشرة للحقوق، دعت مؤسسة "أوكسفام" البنك الدولي إلى تجميد الاستثمارات في شراء الأراضي إلى أن يصبح بوسعه وضع معايير تضمن إبلاغ المجتمعات المحلية بها مقدماً، وتمكينها من اختيار رفض هذه الاستثمارات. كما تريد "أوكسفام" من البنك الدولي أن يضمن عدم تسبب صفقات شراء الأراضي هذه في تقويض الأمن الغذائي المحلي أو الوطني.

ورداً على ذلك، وافق البنك الدولي على أن هناك حالات تلاعب وظلم في عمليات الاستحواذ على الأراضي، خصوصاً في الدول النامية حيث الإدارة الحكومية ضعيفة، وأكد دعمه للمشاركة الأكثر شفافية وشمولاً. ومن ناحية أخرى، أشار البنك إلى ضرورة زيادة الإنتاج الغذائي لإطعام المليارين الإضافيين من سكان كوكب الأرض المتوقعين بحلول عام 2050، واقترح أن زيادة الاستثمار في الزراعة في الدول النامية مطلوب لتحسين الإنتاجية. ورفض البنك فكرة تعليق أعماله مع المستثمرين في الزراعة، زاعماً أن هذا من شأنه أن يستهدف على وجه التحديد أولئك المستثمرين الأكثر احتمالاً من غيرهم أن يفعلوا الصواب.

وقد يتساءل المرء ما إذا كانت الشفافية واشتراط موافقة ملاك الأراضي المحليين على البيع بمنزلة الضمانة الكافية لحماية الناس الذي يعيشون في فقر. سيزعم أنصار السوق الحرة أنه إذا كان ملاك الأراضي المحليون راغبين في بيع أراضيهم، فإن هذا اختيارهم.

ولكن في ضوء الضغوط التي يفرضها الفقر وإغراء الأموال النقدية، فما الذي قد يضمن تمكين الناس من القيام باختيار حر مبني على الاطلاع بشأن بيع شيء مهم كحقهم في الأرض؟ فنحن في نهاية المطاف لا نسمح للفقراء ببيع كِلَاهم لأعلى مزايد عليها.

لا شك أن المتشددين من أنصار السوق الحرة سيقولون إننا ينبغي لنا أن نفعل هذا، ولكن على الأقل، لابد أن يُشرَح لنا لماذا يُمنَع الناس من بيع كلاهم، ولكنهم لا يُمنَعون من بيع الأرض التي تنتج لهم طعامهم. إن أغلب الناس قادرون على الحياة بكلية واحدة، ولكن لا أحد يستطيع أن يعيش دون طعام.

لماذا يثير شراء أجزاء من الجسم الإدانة الدولية، في حين لا يثير شراء الأراضي الزراعية نفس الإدانة، حتى عندما ينطوي الأمر على طرد أصحاب الأراضي المحليين وإنتاج الغذاء للتصدير إلى دول غنية وليس للاستهلاك المحلي؟

الواقع أن البنك الدولي قد يكون بالفعل أكثر اهتماماً بشأن حقوق ملاك الأرض المحليين مقارنة بأي مستثمر أجنبي آخر، وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يعني أن الشكاوى الإحدى والعشرين المقدمة ضد مشاريع البنك هي في الأغلب القمة المرئية لجبل ضخم من الانتهاكات لحقوق الأراضي من قِبَل مستثمرين أجانب في مشاريع زراعية في دول نامية، في حين تظل بقية الجبل محتجبة عن الأنظار لأن الضحايا عاجزون عن الوصول إلى أي سبيل إجرائي لتقديم الشكاوى.

وأخيراً فقط بلغت إحدى هذه الحالات عِلم لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وفي شهر نوفمبر، خلصت اللجنة إلى أن ألمانيا فشلت في إلزام شركة "نيومان كافي غروبي" بعدم الإخلاء القسري لعدة قرى في أوغندا من أجل إفساح الطريق أمام زراعة البن على مساحات شاسعة.

ولكن عمليات الإخلاء حدثت في عام 2001، وما زال القرويون يعيشون في فقر مدقع، ولم يجدوا أي علاج لمحنتهم سواء في أوغندا أو ألمانيا، بعد انتهاك حقوقهم التي يمتلكونها وفقاً لتقرير اللجنة بموجب المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، والتي وقعت عليها ألمانيا. هل يفترض إذن أن نصدق أن ملاك الأراضي يجدون معاملة أفضل من قِبَل المستثمرين الصينيين أو السعوديين؟

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري في جامعة ملبورن، ومؤلف العديد من الكتب، ومن بينها "تحرير الحيوان"، و"أخلاق عملية"، و"عالم واحد"، و"الحياة التي يمكنك إنقاذها".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top