لا شيء ثابتاً في الحياة سوى التغيير، فكل شيء في تغير مستمر بما في ذلك المجتمعات البشرية والأنظمة السياسية والاقتصادية والشركات الخاصة والأشخاص أيضاً. صحيح أن حركة التغيير قد تكون بطيئة أحياناً، وقد تتعرض أحايين أخرى لانتكاسات بعضها بفعل فاعل، لكن العالم بشكل عام يتقدم للأمام، ومن المستحيل أن يعود إلى الوراء، فالتاريخ لا يكرر نفسه رغم وجود بعض أوجه الشبه في أحداث تاريخية معينة.

Ad

على هذا الأساس فالمجتمعات البشرية الحية تخطط لعملية التغيير، فتجعل آثارها السلبية بسيطة، كما أن الأنظمة السياسية الديمقراطية تطور آلياتها وأساليبها مع مرور الزمن؛ لتتناسب مع متطلبات العصر وروحه، حتى لا تتفاجأ بعملية التغيير القسري كما حدث في ثورات الربيع العربي التي نراها الآن تصحح مسيرتها في مصر وتونس، وسيكون لها تداعياتها على مجمل المنطقة العربية في المستقبل القريب.

أما بالنسبة إلى وضعنا المحلي فمن الواضح جداً أن الصراع التاريخي الذي سبق أن أشرنا إليه ذات مقال بين الدولة العشائرية التقليدية والدولة الدستورية الديمقراطية التي وضع أسسها الدستور قد بدأ يميل بشكل واضح لمصلحة الشكل التقليدي، حيث إن استجابة السلطة السياسية للتجديد الديمقراطي والدستوري المستحق الذي تطالب به القوى السياسية والشعبية هي استجابة عكسية مع الأسف، وهو ما قد يؤدي في المستقبل القريب إلى تصادم مباشر بين السلطة والشعب.

 وحيث إن عملية تجديد النظام الديمقراطي لا تتطلب وجود سلطة سياسية تؤمن بالديمقراطية أو ظروف موضوعية لعملية التغيير والتجديد فقط، بل أيضاً وجود قوى سياسية معارضة مؤمنة حقا بالديمقراطية كنظام سياسي واجتماعي كامل، وليس مجرد إجراءات للوصول إلى السلطة واحتكارها، ثم الانقضاض على القيم والمبادئ الديمقراطية.

 ولأن من أبرز العقبات التي جعلت المعارضة السياسية لدينا غير قادرة على إقناع أغلبية المواطنين بضرورة المشاركة في الأنشطة الداعمة لمطالب الإصلاح السياسي والتجديد الديمقراطي هو الخطاب الطائفي والفئوي لبعض رموز وقوى المعارضة، الذي يتناقض مع المبادئ والقيم الديمقراطية التي نص عليها الدستور، وهو الأمر الذي أثر سلبا في صدقية المعارضة ككل، فـ"فاقد الشيء لا يعطيه" كما يقول المثل.

 لهذا وحتى تكون لدينا معارضة سياسية ديمقراطية فاعلة تحظى بالتفاف شعبي واسع ومؤثر، فإنه قد حان الوقت لوجود اصطفاف سياسي معارض قائم على أسس مدنية ديمقراطية- كما ينص الدستور- وذي خطاب وطني جامع ، ولا بأس بعد ذلك من عملية التنسيق مع أي مكون آخر في صفوف المعارضة على قضايا محددة ومعلنة، فهل يتحقق ذلك؟