بلغت التباينات في وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان و«قوى 8 آذار» المتمثلة بحزب الله وحلفائه مرحلة جديدة من التوتر في ضوء مبادرة سليمان الى استدعاء الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي وإبلاغه مذكرة تتضمن الخروقات والاعتداءات ضد الأراضي اللبنانية من الأطراف المتصارعة في سورية كافة، وكان آخرها القصف الجوي الذي تعرضت له بلدة عرسال الأسبوع الماضي.

Ad

وتأتي خطوة رئيس الجمهورية بعدما امتنع وزير الخارجية عدنان منصور المحسوب على حركة أمل وحزب الله عن الاستجابة لطلب رئيس الجمهورية بهذا الشأن، علما أن منصور درج منذ بداية الأزمة السورية على التعبير عن مواقف هي أقرب الى وجهة نظر «قوى 8 آذار» من الأزمة السورية.

ويترافق الخلاف ليس فقط مع تناقضات في القراءة السياسية إنما من تباينات في القراءة الدستورية للصلاحيات، ففي حين تعتبر «قوى 8 آذار» أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية تجاوز وزير الخارجية في التعاطي مع الجهات الخارجية العربية والدولية، ترى جهات سياسية وقانونية مؤيدة لخطوات رئيس الجمهورية أن ما قام به سليمان ليس فقط من صلب صلاحياته الدستورية إنما من صلب واجباته كرئيس للدولة.

وترى «قوى 8 آذار» أن اتفاق الطائف جعل من الوزير رأس الهرم في وزارته بالاستناد الى المادة 66 من الدستور التي تنص على ما يلي: « يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وما خص به».

لكن وخلافاً لهذا الرأي، تشير مصادر سياسية وحقوقية قريبة من الرئيس ميشال سليمان أن الوزير بموجب الدستور هو رأس الهرم الإداري في وزارته في حين أن السياسة العامة للدولة اللبنانية يرسمها مجلس الوزراء مجتمعاً بموجب الفقرة الأولى من المادة 65 من الدستور اللبناني التي تنص على أن تناط «السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء (...) ومن الصلاحيات التي يمارسها: وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات (...)

ويشير أصحاب هذا الرأي الى أن مجلس الوزراء سبق له ان اتخذ قرارات واضحة باعتماد سياسة النأي بالنفس عما يجري في سورية لكن وزير الخارجية عدنان منصور دأب على مخالفة هذه السياسة متذرعا باجتهادات وتفسيرات سياسية مخالفة للقرار من وحي سياسة حزب الله وحلفائه، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية يسهر على تنفيذ سياسة الدولة اللبنانية بالاستناد الى صلاحياته الدستورية.

ويستند هؤلاء الى المادة 49 من الدستور، التي تنص على الآتي: «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء...».

وانطلاقاً من هذا النص، فإن المذكرة التي رفعها رئيس الجمهورية في شأن الخروقات السورية تراعي النأي بالنفس لأنها تشمل كل الخروقات التي تتحمل مسؤوليتها قوات النظام وقوات المعارضة في سورية على حد سواء، وبالتالي فهي لا تأخذ جانب هذا الفريق السوري أو ذاك، إنما تحرص على المصلحة اللبنانية وتسهر على الدفاع عن سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، وتحرص على حماية الشعب اللبناني.

ويذهب مؤيدو رئيس الجمهورية الى حد القول بأن عدم إقدام سليمان على ما أقدم عليه يعتبر تخاذلاً في تحمل المسؤولية يمكن أن يصل الى حد محاسبة الرئيس الذي أقسم بموجب المادة خمسين من الدستور على احترام «دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه».

ويتوقف القانونيون في معرض شرحهم الداعم لموقف الرئيس عند المادة 80 من الدستور تنص على محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء أمام «المجلس الأعلى» وهو المحكمة الخاصة بمحاكمة الرؤساء والوزراء في حال خرق الدستور وعدم تحمل المسؤولية. (يتألف المجلس الأعلى ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بأغلبية عشرة أصوات. وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص).

من هنا، فإن مؤيدي رئيس الجمهورية يعتبرون أن وزير الخارجية عدنان منصور هو الذي يفترض أن يحاسب سياسيا وقانونيا. فلو كان لبنان يعيش في ظروف طبيعية لوجبت محاسبة منصور سياسيا إما بسحب الثقة منه في مجلس النواب أو بإقالته في مجلس الوزراء، وقانونياً بإحالته إلى «المجلس الأعلى».