اخترت لكتابك عنوان «بلاغة الحرية»، إلى أي مدى حققت الثورة هذه البلاغة؟

Ad

سؤال شديد الأهمية، وهو ما يحاول الكتاب الإجابة عنه من خلال البحث حول مدى تأثير الكلمة والصورة والخطاب السياسي في الثورة، وإذا توافرت بلاغة الحرية فهل تحضر بلاغة الاستبداد؟ في الحقيقة الإجابة هي نعم، فقد رأينا كيف أن الأنظمة الاستبدادية في الدول العربية كانت تستخدم الاستمالات العاطفية، كأحد أشكال التخدير الجمعي، في تزييف الواقع، ووسائل الإعلام التابعة لها في الترويج لبلاغة الاستبداد والاستعباد، وعندما جاءت الثورة حاولت القضاء عليها على أمل أن تُنتج بلاغة الحرية، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة: هل نجحت الثورة في الوصول إلى بلاغة الحرية؟ رأينا تجليات لهذه البلاغة في الميادين والشوارع من خلال الهتافات والشعارات والرسم على الجدران  والشعر، إلا أن بلاغة الاستبداد تحاول إحباط بلاغة الحرية عبر فصيل معين فرض هيمنته المطلقة على الأمور ويروّج  لخطابه على أنه الأفضل.

هل تحولت بلاغة الحرية بعد الثورة إلى ما يمكن أن نطلق عليه «بلاغة الفوضى»؟     

لا شك في أن وجود مئات القنوات والصحف وتعدد وسائل التعبير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت أديا إلى تنوع أشكال الخطاب السياسي، وأضفيا شعوراً كأننا نعيش حالة من الفوضى، لكنني أرى أن الحالة التي نعيشها الآن أشبه بحالة الإنسان الذي ظل فمه مقيداً عشرات السنين وعندما فك القيد خرجت كلماته الأولى على شكل صراخ وعبارات غير مفهومة، لكنه بمرور الوقت سيقوم بترشيد كلامه، لتكون هذه الحالة إيجابية ينيغي أن تخضع لشروط منها: ضرورة وجود ميثاق أخلاقي يخصع له منتجو الخطاب، سواء كانوا مؤسسات أو أفراداً أو جماعات.

برأيك ما الخطاب الأشد خطورة على الثورة؟

الخطاب الطائفي أو خطاب الكراهية الذي يثير الفتن والعنف، كذلك خطاب التخوين، فكل طرف يرمي الآخر بقذائفه ويروج لنفسه على أنه الطرف الأفضل، وهو ما يشكل خطورة بالغة لأن مجتمعات ما بعد الثورة تكون رخوة عادة، بالتالي تحتاج إلى خطاب توافقي ليصبح المجتمع أكثر صلابة، ولا يمكن أن يتحقق  ذلك على أرضية خطاب عدائي، مثل حروب الخطابات التي نشهدها حالياً في دول ثورات الربيع العربي، أما الخطاب الديني فتتمثل خطورته في توظيفه سياسياً لتحقيق مكاسب معينة واتهام المعارضين بالكفر والإلحاد، وكثيراً ما استُخدمت النصوص الدينية لإضفاء شرعية مطلقة على أنظمة الاستبداد من خلال تحريم الخروج على الحاكم.

هل تتوقع استمرار تأثير الخطاب الديني بالمستوى نفسه في الفترة المقبلة؟

تشير المؤشرات الحالية إلى أن تأثير الخطاب الديني يقلّ شيئاً فشيئاً، بسبب الممارسات الخاطئة والاستغلال السيىء للدين من تيار الإسلام السياسي، بالتالي أتوقع انحسار تأثير الخطاب الديني.   

لماذا أبرزت في كتابك خطاب الشاشات من دون وسائل الإعلام الأخرى؟

لأن التلفزيون تحديداً كان الوسيلة الأكثر تأثيراً التي استند إليها نظام مبارك في محاولة لإحباط الثورة، ولا يمكن أن ننسى تأثير خطاباته الثلاثة الأخيرة قبل التنحي، خصوصاً الخطاب الثاني الذي يُنظر إليه باعتباره نموذج التأثير الهائل الذي تمارسه الخطابة الرئاسية في اللحظات العصيبة، عندما طالب مبارك الشعب بالانتظار حتى انتهاء ولايته الرئاسية، ولولا أحداث «موقعة الجمل» لأصبحنا أمام سيناريو مختلف تماماً، لذلك كانت الشاشات الأداة الأبرز التي عول عليها النظام في تحجيم الثورة. كذلك يمكن تلخيص صراع الثورة والثورة المضادة في صراع الشاشات، فبعضها كان داعماً للثورة وبعضها الآخر ناهضها.

تحدثت عن تأثير الخطاب الرئاسي، فما أوجه الاختلاف والتشابه بين خطابي مبارك ومرسي؟

حرص الرئيس محمد مرسي منذ البداية على تبني خطاب مغاير لخطاب الرئيس السابق حسني مبارك ومضاد له، فاعتمد الارتجال وعدم القراءة من نص مكتوب بينما كان مبارك دائم القراءة من النص، وفي حين كان الرئيس السابق قليل الاستخدام لحركات اليد، يبدو الرئيس مرسي مولعاً باستخدامها رغم كون هذه الإشارات تصنف على أنها عدائية. كذلك رأينا اختلافاً في العبارة الاستهلالية للخطاب، فبينما كان مبارك يستخدم عبارة أيها الإخوة المواطنون، استخدم مرسي عبارة «أهلي وعشيرتي» التي كان لها وقع سلبي، ثم استخدم عبارة «يا أهل مصر» أو «يا شعب مصر» وغيرها من العبارات التي سعى من خلالها إلى إقصاء نفسه عن المعجم السياسي لخطاب مبارك.

 أما بالنسبة إلى أوجه التشابه فمنها على سبيل المثال استخدامهما لضمير أنا بكثرة، ويتمثل التشابه الأكبر في فجوة المصداقية التي كانت موجودة في خطابات مبارك وأصبحت موجودة في خطابات مرسي، والوعود التي لم يتحقق منها إلا القليل، والحديث عن إنجازات بينما يكشف الواقع غير ذلك.

إلى أي مدى استطاع أدب ما بعد الثورة الوصول إلى المستوى المأمول؟

من الصعب تحديد التأثير الأدبي وقياسه في فترة ما بعد الثورة، لأن الأدب عادة يحتاج إلى وقت ليمتص التأثير الذي تحدثه الثورة، لذا استغرب الذين يحاكمون الأدب العربي الآن ويقولون إنه لم يقدم شيئاً، فهذه محاكمة غير عادلة. نجيب محفوظ، على سبيل المثال، كتب عن ثورة 1919 في الأربعينيات، فعلاقة الأدب بالثورة ليست علاقة انعكاس مباشر، والأدب المبدع عادة يأخذ وقتاً طويلاً في كتابته.

بعد حصولك على جائزة أفضل كتاب عربي، ما مشروعك الأدبي المقبل؟

ألقت هذه الجائزة على عاتقي مسؤولية كبيرة أتمنى أن أكون أهلاً لها، فأنا أعكف حالياً على كتابي الجديد «نحو بلاغة جديدة: الخطاب... الجمهور... التواصل» الذي سأنتهي منه خلال أيام، وهو يهتمّ بتوفير آفاق بلاغية للدارس العربي، آمل أن يظهر قريباً بمشيئة الله، وأن ينال رضا القراء.