تناولنا في المقال السابق جملة من المسوغات السياسية والاستراتيجية التي دفعت كلاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني للتفكير بجدية بفتح حوار مباشر بين الطرفين بعد قطيعة دامت لأكثر من ثلاثة عقود، وشملت تلك العوامل تشابك العديد من الملفات الإقليمية والدولية إضافة إلى نمط تفكير الرئيسين والظروف الاقتصادية التي يعانيها بلداهما.

Ad

وطريق هذا الحوار طويل تتخلله معوقات صعبة وتحديات من المؤسسات الداخلية سياسية كانت أو استخباراتية وعسكرية وحتى على مستوى الرأي العام الشعبي، ولكن محاولة كسر الحاجز الجليدي الكبير استقبل بالترحيب والتفاؤل من دول إقليمية وأجنبية كثيرة باستثناء إسرائيل وبعض دول الخليج.

وليس من قبيل المفاجأة أو المصادفة قيام عدد من القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الإفصاح عن لقاءات مباشرة بين كبار المسؤولين اليهود ومن بينهم رئيس الوزراء نتنياهو مع مسؤولين كبار من دول خليجية مهمة خلال اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة.

خشية إسرائيل من أي تقارب أميركي- إيراني قد يعني بداية انتهاء العصر الذهبي للدولة الصهيونية كطفل مدلل للولايات المتحدة، أو على الأقل كنقطة محورية للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وما يزيد الطين بلّة الفتور الكبير بين إسرائيل والولايات المتحدة في عهد إدارة أوباما، مما يزيد من الضغوط الدولية على تل أبيب وعزلتها، ولربما يكون بقاء هذه الدولة المزروعة في قلب العالم العربي على المحك، حيث تشير بعض استطلاعات الرأي أن أكثر من 51% من يهود إسرائيل يفضلون الهجرة إلى الخارج على البقاء، بينما تصل النسبة إلى 80% ممن يشجعون أبناءهم للسفر إلى الخارج بقصد الهجرة الدائمة.

لهذا تحاول إسرائيل خلط الأوراق من جديد وتشكيل جبهة مع دول خليجية لإحباط أي مشروع مصالحة بين إيران وأميركا، أو حتى التسويق لنفسها بأنها البديل الأمني والحليف العسكري ضد إيران وأطماعها في الخليج.

وقد لا تكون هذه رؤية خليجية موحدة، إنما اجتهادات فردية من بعض دول مجلس التعاون في محاولة لتغليفها خليجياً، والسبب في ذلك يعود إلى الخلافات الكبيرة بين دول الخليج في الشأن الخارجي وتبني كل منها عدوا خاصا بها، حتى في الشأن الإيراني، فالمواقف الخليجية تكاد تكون متباينة ومتناقضة، فبينما تعتبر دول مثل البحرين والسعودية إيران المسؤول الأول عن مشاكلها الداخلية والإقليمية، قامت سلطنة عمان بالوساطة بين الولايات المتحدة وإيران لبدء ما نشهده اليوم من حوار، وبالمثل فإن بعض دول الخليج تعتبر الامتداد الإيراني الطابور الخامس داخل حدودها في حين أن دولاً خليجية أخرى ترى الجماعات الدينية المتشددة هي الخطر الأكبر حالياً داخلياً.

ومن المؤسف أن تكون هذه حال خليجنا الذي يعتبر أغنى بقعة على وجه الأرض ومن أكثر الدول والمجتمعات انسجاماً، وهذه عناصر كفيلة بأن تمنحها القوة سياسياً واقتصادياً حتى عسكرياً بأن تكون قوة إقليمية تشكل توازناً ثابتاً مهما تغيرت المعادلات في المنطقة سواء من إيران أو غيرها بدلاً من تكون أداة تحركها القوى الكبرى يمنة ويسرة بحسب مصالحها أو أن تأتي إسرائيل لتضحك علينا هذه المرة وسط تهليل وترحيب ممن أعمتهم أحقاد التعصب والطائفية!