لا غرابة أن يكون الإسكان أهم أولويات الكويتيين على الإطلاق، وهذا مطلب لا يحتاج إلى استطلاع للرأي أو دليل، فالسكن في حد ذاته هو مصدر الأمن الاجتماعي والاستقرار الأسري، والأهم من ذلك كله الشعور بالانتماء والارتباط بالأرض.

Ad

إذا أردنا أن نعرف أحد أهم أسباب حاجة الأسرة الكويتية إلى السكن، خصوصاً الحكومي، فلنراجع بعض الأرقام الحسابية، فإذا افترضنا أنه بعد الزيادات الأخيرة في الرواتب والأجور يكون معدل معاش المواطن الكويتي 1500 دينار، وأن متوسط أسعار الأراضي في المناطق التقليدية يصل إلى 300 ألف دينار، وأن كلفة بناء بيت بسيط جداً قد تبلغ 100 ألف دينار، ففي هذه الحالة إذا صرف المواطن نصف راتبه بالتمام والكمال على هذا المشروع، فهذا يعني أنه سوف يستكمل حلم حياته بعد 44 سنة كاملة.

وإذا افترضنا أن هذا المواطن قد بدأ مشواره مع السكن، وهو خريج جامعي يبلغ الثانية والعشرين من العمر، فإنه سوف يستقر معززاً مكرماً في منزل العمر وهو يناهز السادسة والستين، هذا إذا افترضنا بقية العوامل الاجتماعية والاقتصادية وتكاليف المعيشة لهذا الإنسان ثابتة ومستقرة، لأنه في حالة أي طارئ كمرض أو سفر للعلاج بالخارج أو شراء سيارة للأبناء أو دراستهم في مدارس خاصة أو زواجهم سوف يزيد مدة سداد قيمة البيت عشر سنوات أخرى على أقل التقديرات!

هذه البيانات ليس فيها أي نوع من المبالغة أو التهويل، بل إنها أرقام واضحة وتعبر عن نفسها بكل شفافية وموضوعية، ولهذا يستحق السكن أن يكون أهم طموحات الأسرة بل مصدر قلقها، في ظل صعوبة أو شبه استحالة تحقيقها وفق الإمكانات الذاتية.

أمام هذه الحالة الفردية لك أن تتصور عمق المشكلة من خلال تراكم الطلبات الإسكانية التي تجاوزت الـ100 ألف طلب يضاف إليها عشرة آلاف طلب سنوياً، وهذه الإحصائية قابلة للانفجار في المستقبل إذا أخذنا في الاعتبار حجم شريحة الشباب ونسبتهم التي تصل إلى حوالي 60% من مجموع السكان!

والمخجل أننا نتحدث عن مشكلة إسكانية ذات أولوية قصوى لدى الأسر الكويتية في ظل الفوائض المالية المتراكمة والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات، وأن المناطق الحضرية في الدولة لا تتجاوز 6% فقط من مجمل أراضي الدولة.

أما الحلول فلا شك أنها صعبة ومستعصية، فلا قوانين الإسكان حلت هذه المشكلة العويصة ولا الأموال الطائلة ولا الضغط الشعبي ولا توصيات القيادة السياسية ولا الاستفتاءات، وذلك لسبب بسيط أنه لا توجد إرادة حقيقية في خلق الاستقرار النفسي والاجتماعي للمواطن.

ويتبقى هناك حل أخير لم نجربه لعله يكون بمنزلة العصا السحرية للمعضلة الإسكانية إذا كانت بالفعل هي الأولوية رقم واحد عند الحكومة والمجلس والمواطنين، هذا الحل يكمن في أن تتشكل حكومة جميع وزرائها ممن لا يملكون منزلاً خاصاً ونواباً ينتظرون دورهم في الرعاية السكنية يتم وضعهم في ذيل الطابور، بحيث يكونون آخر من يحصلون على البيت الحكومي!