يجمع فخري صالح بين دفتي كتابه «أصوات من ثقافة العالم» أسماء خوسيه ساراماغو البرتغالي وكارلوس فوينتس المكسيكي وأرونداتي روي الهندية وتيد هيوز الإنكليزي وشيموس هيني الإيرلندي واسماعيل كاداريه الألباني، وأسماء أخرى عدة وصولاً إلى الروائي والكاتب الصيني مو يان الحاصل على جائزة «نوبل الآداب» عام 2012.
البرتغالفي حديثه عن الكاتب البرتغالي الراحل خوسيه ساراماغو، الحائز جائزة «نوبل الآداب» عام 1998، يلفت إلى نقطة مهمة من حياة ساراماغو تمثلت في دخوله عالم المدونات على الإنترنت في عام 2005. في تلك المدونة التي حاول فيها الكاتب البرتغالي مسايرة روح العصر، وجّه النقد إلى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والجماعة الأوروبية، والممارسات الوحشية التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ما يذكر بنقده العنيف لإسرائيل وتشبيهه ما تفعله بالفلسطينيين بأفران الغاز النازية، عندما زار رام الله عام 2002 متضامناً مع هذا الشعب أثناء الحصار الذي فرضته إسرائيل بعد انتفاضة الأقصى. فقد مثل ساراماغو فعلاً ضميراً للمثقف والإنسانية، فلم يكن يهمه التصريح بما يراه بغض النظر عن جماعات الضغط وأصحاب المصالح ومحركي السياسات في العالم، ومن ضمنها الحركة الصهيونية العالمية التي هاجمته بعد تصريحاته ضد إسرائيل، بعدما شاهد بعينيه التنكيل بالفلسطينيين وآلة القتل الإسرائيلية التي تعمل ليل نهار.المكسيكينتقل صالح إلى الحديث عن الروائي المكسيكي الراحل كارلوس فوينتس، الذي يحتل مكانة بارزة في المشهد الروائي الأميركي اللاتيني. فوينتس أحد معماريي الرواية وفاتح دروب جديدة لها، ومبتدع تقنيات وأساليب منحت تلك الرواية نكهة خاصة مميزة. فوينتس روائي غير سهل وكاتب يتمتع بقدرات تتجاوز حقل الكتابة الروائية إلى حقول معرفية نخبوية أخرى، مثل الفلسفة والفكر والنقد الأدبي، ما جعل الأضواء المسلطة على عمله أقل من زملائه من ممارسي الواقعية السحرية، أن ظهرت روايته الشهيرة «موت أرتيميو كروز» وأحدثت ضجة أدبية كبيرة توجته أحد أهم كتاب الرواية في العالم. كذلك اهتم بالصفاء النوعي الذي تملكه الرواية، ومزجه في الوقت نفسه بين أنواع مختلفة من الخطاب في هذه الكتابة.أيرلندارغم ولادته في إنكلترا إلا أن الشاعر الإيرلندي الأصل توم بولين نشأ في بلفاست وشاهد الصراع الناشئ في إيرلندا الشمالية حيث أصبح الوضع مهيمناً على مادة شعره وجذور تفكيره وكتاباته النقدية وعلاقة الشعر بالدولة الحديثة. اللافت في شعر بولين تركيزه على فكرة العدالة، وبحثه الدائب عن صيغ تحققها في هذا العالم المسكون بالصراع. من ثم فإن قصائده، سواء في «جمهورية العدالة» أو في ما تلاها من مجموعات، تبحث مفهوم العدالة بوجوهه الفردية والجماعية، الطبيعية وتلك المتصلة بالدولة والمؤسسات، مركزة على التوتر الناشئ بين العدالة، بوصفها رغبة إنسانية في المساواة، وتسييس هذه الرغبة بما يحمله هذا التسييس من تأويل للعدالة بوصفها مكافأة وليست حقاً طبيعياً من حقوق النشر.ألبانياأما الروائي والشاعر الألباني اسماعيل كاداريه، فيعتبره فخري صالح أكبر كاتب من أوروبا الشرقية، وأحد أبرز روائيي العصر. ظل في أعماله يمزج بين التاريخ المحلي لألبانيا بمفاصل التاريخ الكوني، وبين الحكايات الأسطورية التي تشكل الأرضية التي يقوم منها عمله للتعبير عن المكابدة الوجودية للأفراد والجموع التي كانت تعيش في سجن الدولة الاستبدادية في عهد الزعيم الألباني السابق أنور خوجا. إحدى أبرز رواياته «قصر الأحلام»، ويُنظر إليها كمجاز سياسي للاستبداد، وبالأحرى هي نوع من التعبير الرمزي الفانتازي عن الأشواق السياسية للمقهورين الذين يحلمون بإسقاط الدكتاتور، لكن عن طريق الأحلام، حيث تختار الشخصية الرئيسة الأحلام وتصنّفها بحيث تستطيع في النهاية اكتشاف «الحلم الأكبر» الذي يكون في مقدوره إسقاط النظام وقلب أنظمتهم.الصينفي آخر الكتاب يتحدث المؤلف عن الكاتب الصيني مو يان الذي حصل على جائزة نوبل للعام 2012، ليصبح بذلك ثاني كاتب صيني يحوز الجائزة بعد الروائي الصيني المعارض غاو كيسنجيان الذي يعيش في منفاه الفرنسي. مو يان المتحدر من بيئة فقيرة، والذي لم يتلق تعليماً مدرسياً منتظماً ودخل الأكاديمية الثقافية التابعة لجيش التحرير الصيني، لفت أنظار ملايين القراء في الصين ودول العالم الأخرى، بسبب أسلوبه الساحر في الكتابة الروائية والقصصية، وسرده المتعدد السطوح، والنبرة الإنسانية البارزة في كتاباته.يتحرك نثر مو يان القصصي والروائي في فضاء شاندونغ وعوالمها الريفية الفقيرة، والتي تظهر شوارعها المتربة في أعماله الروائية والقصصية بفلاحيها وهم يمتطون الحمير وجمالها المثقلة بالأحمال في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، يطحنهم العوز ويزلزل البرد عظامهم. ويوظف يان خبرته ومعاناته الشخصية في كتابة سرد يتأرجح بين الواقعية الخشنة المتجهمة وعوالم الهلوسة والفانتازيا والخيال المحلق الذي يقترب من حواف الواقعية السحرية.إحدى روايات مو يان الكثيرة التي يتحدث عنها المؤلف «الضفدع» التي تتخذ من سياسة انجاب ولد واحد وعملية تنظيم النسل في الصين موضوعاً لها. وهي ذات أسلوب تقليدي في الحكي متأثر بأسلوب الحكي الشعبي الصيني. يروي يان الحكاية على لسان عضو في الحزب كانت عمته القابلة أول من طبق سياسة تحديد النسل في المقاطعة الزراعية خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. العمة هي قلب الحكاية بسبب إصرارها على تطبيق تلك السياسة وكراهية أهل البلدة لها. وتحكي الرواية في خاتمتها عن ندم القابلة وعذاب ضميرها على ما فعلته يداها من عمليات إجهاض قسرية للنساء. في الوقت نفسه، تحتشد الرواية بمشاهد الأطفال الجوعى الذين يكتشفون أن الفحم صالح للأكل، ومشهد موت المرأة الحامل التي ترمي نفسها في النهر هاربة من فريق تحديد النسل الذي يلاحقها لإجبارها على إجهاض حملها، ومشهد الفريق نفسه وهو يدمر بيوت الفلاحين الذين يعارضون سياسة تحديد النسل، ما يجعل المجتمع كله يثور على هذه السياسة التي تحرمه من الأطفال.توجه رواية «الضفدع» نقداً واضحاً للتجربة الصينية المعاصرة، وهي، رغم أسلوبها المختلف عن أعمال مو يان الأخرى التي تمزج الواقعية والواقعية السحرية بالهلوسة، تنطوي على نقد أكثر حدة ووضوحاً للسلطات الصينية التي احتفلت بفوز مو يان بجائزة نوبل للآداب، وعدته أول صيني يفوز بالجائزة.
توابل - ثقافات
«أصوات من ثقافة العالم» لفخري صالح... صدى الكلمة
02-04-2013