فجر يوم جديد: القصاص الأعمى!

نشر في 25-02-2013
آخر تحديث 25-02-2013 | 00:01
 مجدي الطيب فقدت الأفلام «الموجهة» بريقها الذي كانت عليه في ظل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، ووصمت بأنها مثال صارخ لافتقاد الجرأة، دليل دامغ على افتقار المصداقية، تآمر واضح في تبني وجهة نظر أحادية وتمريرها، لذا كان طبيعياً أن تتراجع هذه النوعية من الأفلام ولا تلقى تشجيعاً أو تقديراً في زمن الديمقراطية والليبرالية والتعددية السياسية والثقافية.

من هنا استغربت، وربما صُدمت، لإصرار المخرج أحمد عاطف صاحب أفلام: «الغابة» (2008)، «إزاي البنات تحبك» (2003)، «عمر 2000» (2000) على تجاهل مناخ الحرية الذي نعيشه والعودة إلى زمن السينما «الموجهة»، عندما  قدّم فيلم «باب شرقي» وتناول فيه الصراع المحتدم على الساحة السياسية السورية بين الموالاة والمعارضة، وبدلاً من أن يطرح وجهتي النظر في ما يتعلق بالخلاف الذي قاد إلى مواجهة دموية عنيفة، انحاز بشكل صارخ وبعيد عن الموضوعية إلى الطرف المعارض، وتبنى وجهة نظر أحادية اتسمت بمراهقة سياسية، ولم تخلُ من نزعة دموية تعكس نوعاً من الانحراف الذي يصل إلى درجة السادية!

عرفنا «سينما الكرنكة» التي وضع أسسها المخرج علي بدرخان في فيلم «الكرنك» (1975)، وكرست ظاهرة السينما المضادة وغايتها الثأر من الحقبة الناصرية لحساب النظام الجديد الذي قاده، وقتها، أنور السادات، لكن المخرج أحمد عاطف يؤسس في فيلمه «باب شرقي» لما يمكن تسميته «سينما النميمة» التي تعتمد على روايات مرسلة وشهادات غير موثقة، بهدف الثأر الشخصي وتصفية حسابات، وهو ما اعترف به بنفسه عندما أكد أنه استوحى فكرة الفيلم من لقاء جمعه مع شابين سوريين هربا إلى لبنان ومنه إلى مصر إثر اندلاع الاحتجاجات والاضطرابات في سورية، وشرع في تنفيذ المشروع، بعدما أشركهما في وضع سيناريو الفيلم واتفقوا على تسميته «باب شرقي» (يقع في الجهة الشرقية لمدينة دمشق القديمة وذاع صيته في التاريخ كونه نقطة التقاء السوريين من الأديان كافة، ونموذجاً للتعايش بين الأطياف عموماً).

وضع عاطف الذي لم يزر سورية ولا يكاد يعرف شيئاً عن تاريخها وثقافة شعبها، ثقته بالشابين الهاربين وارتمى في أحضان رواياتهما و{حكايات» أبناء العائلات السورية المهجرة في مصر، ليقدم «حدوتة» تقليدية عن توأمين فرقتهما الصراعات في سورية وأجبرتهما على الدخول في مواجهة دموية، نتيجة موالاة أحدهما للنظام السوري ومناهضة الآخر له، وبدلاً من أن يدعو الفيلم إلى لمّ الشمل ونبذ الفرقة وفضح المخططات المشبوهة التي تحرّكها أطراف لها مصلحة في تدمير سورية، تبنى رؤية أحادية تنطق بالانحياز الجاهل وتنضح بالعنف والدموية وتدعو إلى القصاص الأعمى، الأمر الذي دفعه، هو الكاتب الصحافي والناقد السينمائي والمخرج، إلى إنهاء فيلمه بمشهد غير مألوف في السينما التي تأسست لتُعلي من شأن القيم الإنسانية وتسعى إلى تهذيب الأحاسيس والسلوك البشري، صور فيه الرئيس السوري بشار الأسد وهو غارق في دمائه، بعدما أطلق القائد الخاص لحرسه الرصاص عليه فأرداه قتيلاً!

أثارت النهاية الدموية تجاوباً لدى جمهور العرض الخاص الذي ضم في غالبيته أبناء اللاجئين السوريين في مصر، وبعض أعضاء المجلس الوطني السوري الذي يحظى بدعم «الإخوان المسلمين»، إلى جانب منتمين إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي تشكل في العاصمة القطرية الدوحة، لكنه فجر شكوكاً حول الهدف الحقيقي من الفيلم، كذلك مصداقيته وواقعيته، وألقى غباراً من الريبة حول توجه مخرجه الذي يعرف بالطبع أن تحريض الجمهور على العنف والقتل والكراهية وتأجيج العنصرية والطائفية، يخصم من رصيده، مثلما ينفي عن القطعة الفنية أي صلة بالإبداع، وهو ما ينطبق بالضبط على «باب شرقي» الذي اكتسى خطابه، فضلاً عن المباشرة، الصراخ، الزيف والتلفيق، وسقط في براثن الدعوة إلى أفكار تيار بعينه، بانتهازية ووصولية بانت ملامحهما في التجربة التي لاقت دعماً وتأييداً من الفصيل المعارض، لكنها لم تنجح في محو  أجواء الريبة التي خيمت عليها ولازمتها منذ لحظة التفكير في إنتاج «باب شرقي» إلى حين عرضه في نقابة الصحافيين المصريين؛ وفوجئت بأنني حيال «منشور سياسي دعائي» من النوعية التي كانت تُنتج تحت ظل الحكم النازي!

المفارقة أن المخرج أحمد عاطف أدلى بتصريح أكد فيه أن «باب شرقي» يمثل أول جزء في ثلاثية سينمائية ينوي إخراجها عن ثورات الربيع العربي، وأنه يعد لجزء ثان عن الثورة المصرية، وثالث عن الثورة الليبية، ويعتمد النهج نفسه في التركيز على «حواديت» أصدقاء ليبيين عن ثورتهم، في اعتراف صريح يفضح قصوره وعدم موضوعيته، ويؤكد أنه لا يُلقي بالاً للبحث والتوثيق، وينظر إلى الأمر بوصفه نوعاً من المتاجرة ليس أكثر!

back to top