لسنوات بقي الذين يرفضون العودة بالإسلام إلى عهود الفتنة والاحتراب والتآكل الداخلي يتحاشون الحديث، وإن بمجرد التلويح فقط، عن مذهبية حسن نصر الله وطائفية حزبه، مع أنه أعلن مراراً أنه يفتخر بتبعيته لـ"الولي الفقيه"، ومع أنه أرسل في فترة من الفترات أعداداً من مسلحيه إلى العراق ليزيدوا نيران الاقتتال المذهبي هناك اشتعالاً، ومع أنه حشر أنفه وأنف حزبه في الشؤون الداخلية للبحرين، على أساس طائفي، وخدمة للمشروع الإيراني في منطقة الخليج العربي وفي هذه المنطقة، هذا المشروع الذي لا يراه ولا يدرك أبعاده ومراميه إلا أعمى بصر وبصيرة أو متواطئ له ارتباطات مشبوهة.

Ad

قبل فترة برر حسن نصر الله إرسال مقاتلي حزبه إلى مناطق حمص، وإلى دمشق وضواحيها بادعاء "الدفاع" عن الشيعة في هذه المناطق، وادعاء حماية مقام السيدة زينب في ضواحي العاصمة السورية، لكنه في خطاب أمس الأول "المتلفز" كالعادة غيَّر هذه المعزوفة وتخلَّى عن هذا المبرر غير المقنع إلى مبرر أشد مذهبية وأكثر طائفية، وقال إنه لن يتخلى عن سورية، وإنه سيصنع الانتصار لحلفائه السوريين: "الذين يقاتلون لاستعادة مناطق استولت عليها المعارضة السورية المسلحة".

والأخطر في كل هذا الذي قاله هذا الرجل، الذي يستحق أن يستبدل اسمه من حسن نصر الله إلى حسن عدو الله، أنه دعا الذين يختلفون معه من الطائفة "السنية" أساساً، وأيضاً من المسيحيين والدروز إلى تحييد لبنان والتقاتل في سورية: "نجدد دعوتنا إلى تجنيب الداخل اللبناني أي صدام أو صراع... نحن مختلفون على سورية... أنتم تقاتلون في سورية ونحن نقاتل في سورية... فلنتقاتل هناك... حيِّدوا لبنان... لماذا نتقاتل في لبنان؟ فلنحيد لبنان عن القتال وعن الصدام وعن المواجهات الدامية"!

بعد الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة على مطار دمشق، وعلى مواقع للفرقة الرابعة فوق جبل قاسيون، أعلن حسن نصر الله أنه سيحصل على أسلحة نوعية متطورة من النظام السوري لـ"يكسر" معادلة القوى في المنطقة، ويبدأ حرب تحرير هضبة الجولان، لكن ما إن نفذ الإسرائيليون هذه الغارة وفشل نظام بشار الأسد في إيصال هذه الأسلحة النوعية المتطورة إلى حليفه الطائفي والمذهبي حتى تخلى "سيد المقاومة"! عن القتال في الهضبة السورية المحتلة، واتجه إلى بلدة "القصير" تحت شعار، حسبما جاء في خطابه أمس الأول، أن هذه المعركة كما كل المعارك السابقة نحن أهلها ورجالها وصناع انتصاراتها!

"الفتنة أشد من القتل"، وحقيقة إننا نعيش الآن فتنة جديدة كفتنة صدر الإسلام، وكالفتنة التي أشعلها إسماعيل الصفوي بعد تحويل الطريقة الصفوية، التي أسسها في أذربيجان صفي الدين أردبيلي، إلى حركة سياسية ثم إلى دولة مذهبية عنوانها الولي الفقيه، أشعلت نيران حروب مدمرة حرقت أكباد المسلمين، ومزقتهم شر ممزق، ودمرت مدنهم وقراهم، وخلفت كل هذه القيم الدينية المشوهة، وكل هذه المفاهيم البائسة التي جددتها الثورة الخمينية، وغدت دستوراً لحزب الله ولقائده الذي بقي يتلطى بـ"التقية" المعروفة، إلى أن انكشف على حقيقته وأماط اللثام عن وجهه الفعلي، كما أماط الحجاج بن يوسف الثقفي لثامه، وهو يعتلي منبر مسجد الكوفة ليقول: "أنا ابن جلا وطلاع الثنايا... متى أضع العمامة تعرفوني".

لقد وضع حسن نصر الله عمامته وانكشف على حقيقته، بعدما بقي يرتكب الموبقات الطائفية من وراء تقيته المذهبية... من مسؤولية حزبه، وفقاً للتحقيقات الدولية، عن اغتيال رفيق الحريري وآخرين، من المناوئين لاحتلال نظام حافظ الأسد ونظام ولده بشار، إلى إسناد مذهبيي العراق والتدخل في الشؤون العراقية الداخلية، إلى إرسال "حشاشيه" إلى البحرين وإلى مصر، وإلى استكمال كل هذا بالتخلي عن "تقيته" والانخراط في هذه الحرب الطائفية التي يخوضها هذا النظام "الأسدي" الطائفي وبدوافع مذهبية ضد أتباع المذهب السني، الذين يشكلون غالبية أبناء الشعب السوري، والذين وصفهم زعيم حزب الله الإيراني وليس اللبناني بأنهم "شاقو صُدور وقاطعو رؤوس ونابشو قبور"!