أتعجب كثيراً وأضحك أحياناً ممن يعلقون ساخرين على ثورات الربيع العربي، وكيف يجب تسميتها بالخريف العربي، وأن بلدانها انتقلت من فساد وظلم إلى فساد وظلم أكبر، وأن المواطن في هذه البلاد لم يشعر بأي تحسن ولم يتحقق أمله، وأن كل ما قيل عن هذه الثورات وربيعها إنما هو شعارات جوفاء وعبارات إنشائية لا تجد لها صدى على أرض الواقع.

Ad

يعتقد هؤلاء أن الثورات "زر" في "الكيبورد" تضغط عليه فتنطلق الثورة وتحقق أهدافها، أو أن الثوار مثلاً قرروا القيام برحلة "بيكنك" فقاموا بثورة، ويجب أن يعودوا من الرحلة آخر اليوم وقد نجحت الثورة. أو أنها مغارة "علي بابا" تقف أمامها وتنطق "افتح يا ثورة" فتجد العدل والاستقرار والأمن والأمان وتنقلب الحال ويتغير الزمان.

لا يا سادة.... الثورات ليست هكذا، الثورات تحتاج إلى قوة وعزيمة وصبر وإصرار وعمل شاق مستمر لسنوات، ولا يمكن النظر إليها بـ"مصباح علاء الدين" الذي يخرج المارد منه فيحقق آمال الشعوب وأحلامها.

لقد عانت مصر طوال عقود فساداً استشرى في جميع مفاصل الدولة وأجهزتها، وأثر في الحياة اليومية للمواطن في عمله ورزقه ومعيشته، ولم يكن أحد يتخيل هذا الحجم الكبير من الفساد والرشوة والمحسوبية الذي لم ينج منه لا قضاء ولا إعلام... لا حكومة ولا برلمان، فلقد عمّ الفساد الحياة السياسية والأجهزة التنفيذية والمؤسسة التشريعية والسلطة القضائية، فهل يمكن في لحظة أو يوم أو أشهر أن يتبدل كل ذلك؟!

إن عملية التحول هذه تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين هذا إذا كنا جميعا نسير في طريق واحد، فما بالنا إذا كان البعض يصر على عكس السير، والبعض يضع العراقيل في الطريق؟ ألا يزيد هذا من صعوبة العمل ويطيل الفترة؟

وبعيداً عن تعبير "الثورة المضادة" الذي أصبح مبتذلاً من كثرة الاستعمال فإن جذور الفساد والظلم عميقة إلى أقصى حد، واقتلاع هذه الجذور هو المشكلة الحقيقية التي تواجه الثورات. لا أفترض وجود "ثورة مضادة" ولا مواطنين مصريين- أياً كان انتماؤهم- يرفضون الثورة والإصلاح والتطهير، ولكن تطهير مناخ الفساد وإعادة تأهيل المواطن في جميع مرافق الدولة، وأيضا المواطن البسيط في كل مكان يحتاج إلى الكثير من العمل الشاق.

فيا من تحلمون بذهاب الربيع ومجيء الخريف، ويا من تتمنون فشل الثورات، ويا من تنشدون استمرار خلاف شركاء الميدان، ويا من تشتاقون إلى ضياع الأمل لا تحلموا كثيراً ولا تتمنوا طويلاً فرهانكم خاسر، فالأمل ما زال موجوداً وقائماً، ولن يضيع وسترجع مصر كبيرة الأمة وقائدة العرب، وإن كان المخاض صعباً وشاقاً، فالمولود يستحق.

 ففي النهاية ستولد مصر الجديدة... مصر الأمل.. مصر الأمن والأمان.. مصر العدل والاستقرار... مصر التقدم والازدهار... مصر بلا فساد... بلا محسوبية ولا رشوة... بلا تزوير... ولا "توريث"... و"لا نسيتوا"!