قبل أقل من عام دخلت الكويت في أزمة عميقة نتيجة صدور مرسوم التعديل الجزئي بنظام الانتخاب والذي جاء كرد على محاولة البعض اختطاف البلد بلغة متطرفة ناتجة عن وباء العقل الجمعي، فانقسم المواطنون ما بين مشارك ومقاطع، لكن نجحت انتخابات ديسمبر بعدما شاركت نسبة معتبرة من المواطنين من أجل إنقاذ البلد من المجهول، وليس لرضاهم عن الأداء الحكومي، وكان يحدوهم الأمل بأن تعيد السلطة تقييم أدائها وتشرع في نهج جديد في إدارة البلد خاصة مع مجلس جديد يريد التهدئة والتركيز على الإنجاز، لكن للأسف لم تستغل السلطة فرصة عبور البلاد للأزمة بسلام وظلت على نهجها العقيم المدمر، كما أنها فوتت فرصة أخرى بعد التشكيل الحكومي الأخير الذي خيب الآمال وأتى بنفس التشكيلة السابقة تقريبا بالرغم من تغير تركيبة المجلس للمرة الثالثة خلال أقل من عامين.
فسمو رئيس الوزراء يقول إنه سيعمل بأسلوب الشيخ سعد (رحمه الله) في إدارة الحكومة، أي يريد العودة بنا إلى الوراء بدلاً من الأخذ بيدنا إلى الأمام، وهذا أمر لا يبشر بخير ولا يعكس قراءة صحيحة للساحة، فنحن نعيش في القرن الحادي والعشرين في ظل ثورة هائلة في الاتصالات وتبادل المعلومات والاطلاع على إنجازات ونمط حياة الثقافات الأخرى، فما كان مقبولاً قبل عشرين سنة غير مقبول في يومنا هذا وحتماً سيزداد عدم القبول به مع الأيام، خاصة مع الازدياد المطرد في ابتعاث الطلبة للخارج (4500 طالب سنوياً)، وهم الذين سيقارنون بين أوضاع البلدان التي يبتعثون إليها وأوضاع بلدهم.يبدو أن الحكومة فرحة من حالة الملل وانعدام الأمل الذي أصاب أغلبية المواطنين بسبب الأوضاع السياسية المتأزمة خلال السنوات الماضية، ولذلك هي مستمرة في نفس النهج العقيم في إدارة البلد والقائم على سياسة (فرق تسد)، فتضرب فلانا يوما وعلانا في يوم آخر مستغلة خوف فئات المجتمع من بعضها بعضا، وهو خوف مشروع خاصة بعد تجربة أغلبية المجلس المبطل الأول. لكن هذه السياسة قد تكون ناجحة في الماضي وفي الحاضر لبعض الوقت، لكن سيأتي يوم (ولا أظنه ببعيد) ينقلب فيه السحر على الساحر، وتتوحد جميع فئات المجتمع ضد الحكومة ونهجها، وتطالب بتغيير جذري حتى لو كان قفزاً للمجهول ومغامرة كبرى لأنها حينئذ تكون قد سئمت الجمود (status quo) وتريد التغيير أيا كان ذلك التغيير.وقد يكون المجلس المقبل بداية لهذه المرحلة نوعاً ما، حيث من المتوقع ألا تستمر الحكومة بتشكيلتها الهشة طويلا لأن المشاركين بعد المقاطعة يريدون رأسها، ولأن المشاركين في الانتخابات السابقة يريدون رأسها أيضاً بسبب إبطال مجلس ديسمبر، فالناس ليسوا أغبياء ويعرفون ماذا جرى جيداً، وإذا أضفنا إلى ذلك صراع أقطاب الأسرة ووجود أدوات نيابية لهم فإنه من الواضح جدا أن المرحلة القادمة لن تكون هادئة بتاتاً، ولن تستطيع الحكومة مواجهتها بنفس النهج وبدون دعم شعبي بعدما فقدت الجميع.الخلاصة أن ما يجري من صراعات عليا ودنيا وتناحر فئوي طائفي غذته السلطة على مدى عقود يعكس عدم الإيمان بمفهوم الدولة، ولذلك نجد انتشار الفساد والرشوة وإفساد الذمم بشكل غير مسبوق، فبات بلدنا الحبيب في نظر الكثيرين مجرد محطة للاستزادة بدلا من أن يكون وطناً بما تحمله الكلمة من معنى، والخلل ليس بنظام الدوائر والتصويت بل في نظام الدولة الريعي المدمر، ولن تنصلح الأمور إلا بتغيير هذا الخلل الأساسي، و"كما تكونوا يولى عليكم".
مقالات
لن تهدأ
08-08-2013