ألف كلمة!
![د. ساجد العبدلي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1461946551445173900/1461946567000/1280x960.jpg)
لن أحرق الفيلم على من يودون مشاهدته، ولكن سأكتفي بالقول بأن الشجرة تعود فتخضر من جديد في النهاية بعدما يصل ميرفي إلى قول الكلمات الذهبية التي كانت تنتظرها الشجرة مع سقوط آخر ثلاث ورقات منها.بعدما شاهدت الفيلم منذ أيام لمع في ذهني بعدها مباشرة بأن كل إنسان منا ليس في الحقيقة سوى مجموعة من الكلمات والأفعال عبر سنوات عمره التي قد تطول أو تقصر. ودعونا نركز في هذه المقالة على الكلمات فقط. كلمات الإنسان التي إما أن يقولها أو يكتبها، في كل مكان وأي مكان كان، إما أن تكون سبباً في سعادته أو سبباً في شقائه، إما أن ترتقي به عاليا أو على النقيض من ذلك تماماً ترديه في مكان سحيق، فرب كلمة قادت صاحبها إلى قمة شامخة وأخلدت ذكره الطيب بين الناس، ورب كلمة ألقت به في هاوية ليس لها قرار لا يتردد فيها إلا صدى ذكره مقرونا بالخزي والعار.يتحدث الواحد منّا طوال الوقت ولا يبالي ولا يكترث، متناسياً أن كل كلمة تخرج منه محسوبة ومرصودة بدقة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، حيث يقول المولى عز وجل: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، وجاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "وهل يكب الناس في جهنم على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"، وكذلك قال: "إنك لن تزال سالماً ما سكت، فإن تكلمت كتب لك أو عليك".كلمات المرء التي تخرج منه طوال حياته أشبه ما تكون بأوراق نقد يستمر في إنفاقها في الدنيا ليجد أثرها بعد مماته في الآخرة، فإما أن يجدها وقد أينعت كينع أوراق أشجار بستان جميل في الجنة، وإما أن يجدها وقد حجزت له مقعداً في جهنم والعياذ بالله!الكذب والغيبة والنميمة والكلام الفاحش والبذيء والكلام الفظ الغليظ والجارح لنفوس الناس، سواء القريب منهم أو البعيد، كلها من آفات اللسان التي تكاد لا تفارق مجالسنا وشوارعنا وبيوتنا ومقار أعمالنا اليوم، والناس في غفلة عن أنها كأوراق تلك الشجرة التي تتساقط، وأنهم حين يتلفظون بها أو يكتبونها يتساقط رصيدهم إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة ولا شك.الكلام سهل جداً، لذلك كان هو مكمن الخطورة العظمى على مصير الإنسان في دنياه وآخرته، ولهذا جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "رب كلمة لا يلقي لها الرجل بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً"، وكذلك يوم سأله أحد الصحابة قائلاً: "ما أشد ما تخاف علي؟ قال عليه الصلاة والسلام: هذا، وأخذ بلسانه". فلنحاذر ولننتبه لآفات اللسان حتى لا تسقط كل أوراق الشجرة وتموت!