• كيف ترى مقام الفتوى في الوقت الراهن؟
- الفتوى شأنها عظيم وقدرها كبير، لأن الموقع بالفتوى هو موقع عن رب العالمين، ويحكم بحكم الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، مصداقا لقوله تعالى «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ» (سورة النساء الآية 176)، ومن هنا كان لابد عند إصدار الفتوى من العودة إلى النصوص الصحيحة الصريحة الواضحة من كتاب الله وسنة رسوله، وأقوال الأئمة الأخيار الأبرار العلماء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الدين.وما نراه من فوضى الفتاوى نابع من عدم الأهلية للفتوى، فلابد من توافر الأهلية لكل من يقوم بالإفتاء، وأن يكون متخرجا في دور التعليم الأزهري ويمارس الفتوى في مجال تخصصه، وأن يكون على معرفة بكتاب الله وأحكامه والأحاديث النبوية ودرجات صحتها، فضلا عن المعرفة بمذاهب أهل السنة والجماعة الفقهية، وبذلك تخرج الفتوى ترضي الله ورسوله والناس جميعا.• متى تصبح الفتوى جريمة في حق المجتمع؟- عندما يقوم شخص غير مؤهل للفتوى بالتصدي للإفتاء في الأمور العامة التي تعم المسلمين كافة، أو قطاعا كبيرا في الدولة، فهذا الشخص غير المؤهل يجرم ويمنع من الفتوى، لأنه أهلك بفتواه الخاطئة الكثير من المسلمين بسوء علمه، فضلا عن تغريره بهم.• هل يعني هذا أن الفتوى حكر على العلماء المتخصصين؟- في المسألة العامة التي تهم جموع المسلمين أو أبناء الدولة الإسلامية الواحدة فقط، لا يمكن لشخص حتى ولو كان من كبار العلماء، أن يفتي بقتل شخص أو مؤسسة أو فئة، فهذا من شأن المؤسسات الدينية الموجودة في مصر كمجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء ولجنة الفتوى بالأزهر، أو ما يماثلها في مختلف الدول العربية والإسلامية، وهي الجهات التي تبحث الأمور من جميع جوانبها قبل إصدار فتوى تخص الشأن العام.أما الفتاوى، التي لا تندرج تحت مفهوم الشأن العام للدولة أو المجتمع، كأن يسأل المسلم عن شأن الصلاة أو ما يتعلق بالصيام وأحكامه العامة كوقت الإفطار ووقت الإمساك، وغيرها من الأمور التي لابد من أن يكون للمفتي علم يقيني بها، لأن العمل يبنى على اليقين لا الشك، فهي أمور يمكن للأفراد الفتوى فيها.• ما رأيك في فوضى الفتاوى على الفضائيات؟- حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) واضح في هذا الأمر، إذ يقول: «أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار»، وما نراه الآن من فوضى الفتاوى مخالف لأدب الصحابة، رضي الله عنهم، فمعروف أنهم إذا كانوا في جمع وعرضت عليهم فتوى كان كل منهم يتنازل للآخر، ويحيل المسألة على غيره، وهذا من باب الورع والخوف من الله.أما الآن فالأمر أخذ موضع الشهرة وحب الظهور، فضلا عن الجرأة على الفتوى الناتجة عن ضعف الإيمان وقلة الورع وعدم الخوف من الله، فتجد الشخص الواحد يفتي في جميع الأمور سياسية أو اقتصادية أو أحوالا شخصية، في جرأة على مقام الفتوى، وهو أمر مرفوض تماما، لأنك قد تجد فتوى من شيخ على قناة يبيح أمرا وشيخ آخر يمنعه على قناة أخرى، ما نتج عنه فوضى الفتاوى التي نعيشها الآن.• هل تأسيس الأزهر لقناة فضائية رسمية تعبر عنه قد يضع حدا لهذه الفوضى؟- إنشاء قناة تتحدث باسم الأزهر الشريف سيكون بمثابة العلاج الجزئي للمشكلة، أما العلاج الكلي للمشكلة من جذورها فيبدأ بعقد اجتماع بين ممثلي القنوات الفضائية الدينية والقنوات العامة التي تمتلك برامج دينية، مع قيادات في الأزهر، من أجل توفير علماء متخصصين في الفتوى للقيام بتلك المهمة وفق أصولها، وإذا ما اعترضه سؤال لا يعلمه يرجئ الإجابة حتى يسأل أهل العلم في الأزهر.ومن يفتي في كل المسائل وفي كل العلوم، كن على ثقة من أنه ليس بعالم، فأكثر أهل العلم كالإمام مالك بن أنس كانوا يُسألون في الكثير من الأمور فيكون جوابهم لا أدري، ففي ظل هذه القواعد إضافة إلى قناة الأزهر تكتمل المنظومة الإفتائية.• ما الفرق بين عمل لجنة الفتوى بالأزهر ودار الإفتاء المصرية؟- رغم أن دار الإفتاء تتبع وزارة العدل، فإن شأنها شأن لجنة الفتوى يشغلها أبناء الأزهر، فكل من تولى منصب مفتي مصر كان من أبناء الأزهر، لذلك قمت مع المفتي شوقي علام، عقب توليه منصب الإفتاء في شهر مارس الماضي، بوضع الخطوط العريضة لمنظومة عمل الإفتاء بين لجنة الفتوى ودار الإفتاء لمنع التضارب، خاصة ان هناك سيلا من الأسئلة التي تصل إلى مؤسستي الإفتاء في مصر، ما يجعل التنسيق بينهما ضروريا حتى نستطيع الإجابة عن أكبر قدر من الأسئلة التي تصلنا.• كم عدد الفتاوى التي تصدرها اللجنة في العام؟- تخرج اللجنة الآلاف من الفتاوى سنويا، ويسهل رصد الفتاوى المكتوبة لأنها مرقمة، كذلك الفتاوى الشفهية التي تتلقاها اللجنة تليفونيا، وقد بلغ عدد الفتاوى المكتوبة الصادرة عن الأزهر من يناير إلى نهاية مارس الماضي، 335 فتوى، فضلا عن مئات الفتاوى الشفهية التي تتلقاها اللجنة عبر التليفون. • ما الموضوعات الغالبة على الأسئلة التي تتلقونها؟- أكثر الأسئلة التي نتلقاها تدور حول الأحوال الشخصية في ما يتعلق بالخطبة وعقد الزواج والمشاكل والخلافات الزوجية ثم الطلاق والمشاكل المتعلقة به، بعدها تأتي المشاكل المتعلقة بـ«الميراث»، وتأتي في المرتبة الثالثة الفتاوى المتعلقة بالبيوع والمعاملات التجارية.أما المشكلة الرئيسية التي تواجهنا فهي المتعلقة بالأسئلة حول السحر والشعوذة والعلاج بالقرآن وتفسير الأحلام، إذ تصل إلينا عشرات الأسئلة حول هذه الموضوعات، لكننا في الحقيقة لا نجيب عن مثل هذه الأسئلة اطلاقا.
توابل - دين ودنيا
رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشيخ سعيد عامر لـ الجريدة.:
28-07-2013