شاطئ نصف القمر
المفتش تشارلز البريطاني واحد من الذين يترددون على المقهى حيث أكتب في دبي.وحين يتردد أناس على المقهى بشكل يومي فإنك لا تستطيع تجاهلهم، يصبحون جزءاً من عائلة المقهى، ويصبح من الأدب أن تلقي عليهم تحية الصباح أو تردها حين يبادرونك بها، والمفتش تشارلز واحد من الذين صار يلقي التحية كل صباح، وحين يكون المقهى خالياً تماماً يتوقف عندي ويحدثني عن مظاهر الأمل في الحياة التي يجدها في دبي، يزيد من باب اللياقة ويمنحني حكمة من يومه الذي بدأه.
نتحدث في البداية، كيف يكون الطقس عاملاً في انتعاش السوق في دبي، وكيف يكون العامل الثاني هو توفر المال في جيبك، وكيف تزدهر الحياة والعمل، مرة سألته وأنا أتصبب عرقاً بسبب الطقس عن سر وجود هؤلاء الشقر في بلاد الخليج، ما الذي يجعلهم يتركون حياة متقدمة وبوسائل نقل مريحة والحضارة والفن والإبداع، ليمضوا حياتهم هنا في بلاد يحتل الرمل ثلاثة أرباع جغرافيتها، وينعكس جفافها على مناحي الحياة فيها، ويصبح الدفاع عن الوجود هو المجهود الأكثر مشقة، هل كل هذا فقط من أجل المال؟شرح لي المفتش تشارلز أنها أسباب كثيرة، فهذا لمن هو مثله قد أصبح نمط حياة، فقد ولد في اليمن لجندي في الجيش البريطاني، وعاش في الكويت وتنقّل إلى السعودية ثم إلى بلدان شمال إفريقيا، ثم دبي، فأصبحت حياة التنقل جزءاً من نمط الحياة ولم يعد هذا يزعجه، ثم إنه يفضل الحر على البرد، ثم إنه العمل أخيراً، فحيثما تجد عملاً مزدهراً فهذا هو سر قوتك في الحياة، بأن تنجز عملاً يفيدك ويفيد الآخرين.في صباح آخر روى لي تشارلز قصة رغبته في أن يتحكم هو بالوقت، لا أن يتحكم الوقت به، وأن فلسفة الناس مع الوقت تتعدد بتعدد أنماطهم، هناك من يريد أن يضع له جدولاً، وهناك من يريد أن يتمتع بالوقت دون تخطيط، لكنه يقول إن التحكم بالوقت يمنحك القدرة على القبض على الأشياء التي تفر من يدك لو لم يتوفر لها الوقت المناسب، وأكثرها شهرة هو التمتع مع عائلتك أو مع من تحب، والذي قد يزورك ليومين إن لم توفر لهما الوقت فإنهما لن يتكررا، قال لقد تعلمت هذا من قصة حدثت لي على شاطئ نصف القمر - ما أجمل هذا الاسم، من الذي اخترعه ولم يكافَأ حتى اليوم؟! وهذا الشاطئ هو شاطئ الدمام- يقول تشارلز إنه عندما عمل في الدمام لم يكن يحصل على إجازته إلا يوم الأحد، بينما الشاطئ لا يعج بالناس إلا يومي الخميس والجمعة وقت إجازة الناس، في يوم إجازته ذهب إلى الشاطئ فوجد البحر فيه مثل وجه مرآة صافياً والمياه راكدة مثل بحيرة، كان المشهد رائعاً، ومن شدة روعة المشهد فتش عن أحد يخبره بما رآه، لكنه اكتشف أن لا أحد على الشاطئ، لا أحد تماماً، فتعلَّم من وقتها أنك لا تشعر بالجمال إن لم تجد أحداً تشاركه فيه.