«pride and prejudice» «Sense and Sensibility» «Emma» «Northanger Abbey»... هذه أسماء أشهر كتب الكاتبة الأسطورة جين اوستن التي لا أظن أن هناك شخصا لم يسمع بها أو لم يقرأ أيا من كتبها أو لم يشاهد فيلما أو مسلسلا مأخوذا من كتبها التي بيع منها ملايين النسخ، وأُعيد إنتاجها وتمثيلها مرات عديدة ومن إنتاج دول متعددة بما فيها بوليوود الهندية، وكلها حققت عائدات ربحية عظيمة، ذهبت إلى جيوب الأجيال اللاحقة من عائلتها ولم تستفد منها جين بأي شيء، فكل ما حققته من أرباح كتبها هو 802 جنيه إنكليزي حينما كانت قيمته مختلفة عن الآن.

Ad

الأسبوع الماضي ذهبت لزيارة شاتون التي تقع في مقاطعة هامبشير الإنكليزية حيث يوجد منزلها الذي عاشت فيه السنوات الثماني الأخيرة من عمرها قبل أن تموت بعمر 41 بمرض لم يُوجد له علاج في ذاك الزمن الذي لم يكن فيه علاج لأغلب الأمراض الصعبة، وكان من الصعب علي مشاهدة منزلها وغرفة نومها وسريرها الذي شاركت فيه أختها كاسندرا، وبجواره كرسيها الذي أمضت عليه الفترات الأخيرة من حياتها حيث بات النزول إلى الدور الأول صعبا عليها، وكانت الطاولة التي تكتب عليها صغيرة جدا وغير مريحة، والقلم ريشة الإوزة التي تغمس في المحبرة، مما يجعل من الكتابة مهمة صعبة ومتعبة للكاتب، فالحمد الله أنني لم آت في زمنها هذا.

جين اوستن، التي احتفلت بريطانيا بمرور 200 سنة على ميلادها الذي كان في 16 ديسمبر 1775 وتوفيت عام 1852، تعتبر أهم كاتبة بعد شكسبير بالنسبة الى الإنكليز، وهم يعدونها أسطورة إنكليزية، رغم ان مجموع ما كتبته ربما لا يتجاوز 6 روايات، لكنها كانت من أوائل من كتب الرواية في عصرها، وتعتبر رواياتها شاهدا حيا على الحياة الاجتماعية في عصرها، ومن هنا تنبع أهميتها فقد كانت كشاف ذاك العصر، وكتبت حكاياته وقصص أبطاله بقلم مفعم بالرومانسية الدافئة التي عكست مشاعر من عاشوا في زمن، ومضوا بعد أن تركوا أثر عبورهم في صفحات جين اوستن التي خلدتهم في كتابة نابضة حية.

جين اوستن كانت الابنة السابعة في عائلة مكونة من 6 أشقاء وابنتين وهم من الطبقة المتوسطة، وعاشت طفولة سعيدة بمفهوم ذاك الزمن.

خلال تجوالي في بيتهم الذي يعكس تماما حياة وحركة عصرهم، من المطبخ بتنوره وبئر الماء فيه والعربة التي يجرها الحمار والتي هي سيارة وقتهم، وغرفة طعامهم بذات الأطباق والأكواب والمقاعد، وصالة الجلوس حيث تمضي العائلة وقتها بالرسم أو بالعزف على البيانو أو التطريز والخياطة أو اللعب في العاب خشبية خاصة، وهناك المكتبة المعدة فقط للقراءة، وطبعا لا ننسى الريف الإنكليزي الرائع المحيط بمنزلهم، الذي هو برأيي الجنة بذاتها، وهذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه بعد نقاشي مع صديقتي، أن جين اوستن لم تستفد ولم تحصد أي فائدة من تعبها في الكتابة التي ذهبت أرباحها الخيالية إلى غيرها بينما كانت هي تركب الحمار في مشاويرها وتمضي حياة عادية، لكن بجولة متفحصة لتفاصيل حياة منزلها ومحيط قريتها التي حافظت بلدية المقاطعة على إبقائها تقريبا على ما كانت عليه، نتوصل الى نتيجة أن الحياة كانت رائقة متوازنة حساسة دافئة العلاقات ومليئة بالمسليات والمتع المتسقة مع هدوء الطبيعة التي حولهم، فلو عاشت في عصرنا هذا ربما ما استطاعت أن تكتب رواياتها هذه المفعمة بدفء رومانسية نتجت من طبيعة العصر الذي عاشته ومن طريقة العيش فيه، والذي كانت سعيدة على ما يبدو بما يحيط بها ومما تحيا به، ومن القليل المتبقي من رسائلها التي أحرقتها أختها، نجد إشارات إلى جمال زهور حديقتهم وإلى البراعم التي تفتحت وتلك التي تنتظر تفتحها مع ذكر أسماء كل النباتات التي تعشقها.

والسؤال الذي داهمني هو: كيف يحمي المبدع خصوصية حياته بعد مماته؟ إذ كان طوفان التطفل يغمر كل من حوله ومن يقترب منه، فلم يبق شيء يخصها لم تحاصره وتنبشه الآلات الإعلامية، من أسرارها حتى غرفة نومها وأسرتها وسيرتها، وحتى حياة مدبرة منزلهم لم تنج من الغزو والنبش حتى بات دفتر طبخها تحت مجهر كشافاتهم.