لا أعني بعنوان مقالي رواية «اللجنة» للأديب الكبير صنع الله إبراهيم، وإنما أشير إلى لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية التي ضمت: النجمة ليلى علوي ومدير التصوير محسن أحمد من مصر، بالإضافة إلى الناقد الكبير بيتر رورفيك (جنوب إفريقيا) والناقدة والكاتبة الصحافية أومي ندور(السنغال)؛ فقد فاجأت اللجنة جميع متابعي المهرجان بمنح جائزة أفضل فيلم للفيلم التونسي «مانموتش» إخراج نوري بوزيد ومنحت جائزتها الخاصة للفيلم الكيني «نيروبي نصف حياة» بينما اكتفت بمنح الفيلم المصري «الخروج للنهار» شهادة تقدير، ما أثار حفيظة الكثيرين ممن رأوا أن اللجنة تجاهلت فيلماً يكرس سينما جديدة تتمرد على المألوف، ويعكس طموح نبيل لمخرجته هالة لطفي في صنع سينما لا تجاري السائد، وسارع البعض باتهام لجنة التحكيم بأنها «تقليدية» لا تواكب الزمن، وتنحاز إلى سينما «ميلودرامية» أكل عليها الزمان وشرب!

Ad

هنا أجد نفسي مدفوعاً إلى تفنيد الاتهامات الظالمة والمتجنية حيال «لجنة» انحازت إلى السينما التي تشتبك والواقع العربي والإفريقي، والإنسان الذي أنهكته ومزقته الحياة اليومية... سينما لا تخفي رأسها كالنعام في الرمال، وهو ما ينطبق بالضبط على فيلمي «مانموتش» و»نيروبي نصف حياة». فالأول، الذي كتبنا عنه بالتفصيل في هذه الزاوية، يُحذر من سيطرة التيار الديني الأصولي مستغلاً الثورات العربية، ويؤكد على أهمية إعادة النظر في وضعية المرأة العربية، وحمايتها من «المجتمعات الذكورية» التي تنتهك جسدها وتقيد حريتها وتكرس تبعيتها، بينما يقدم فيلم «نيروبي نصف حياة» قصيدة سينمائية عذبة حول الإنسان الذي يطمح إلى تغيير واقعه وبلوغ أمنياته، من خلال شاب قروي يرحل إلى العاصمة ليصبح ممثلاً، وهناك يواجه أهوالاً كثيرة تدفعه إلى الارتماء في براثن عصابة إجرامية شريرة، لكنه لا يتخلى عن حلمه، وينتهي الفيلم وقد حقق أمنيته في الوقوف على خشبة المسرح، وبعدها يُساق إلى السجن!

هل أجرمت  لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية إذاً عندما منحت الفيلمين أصواتها؟ وهل ظلمت فيلم «الخروج للنهار»، رغم اعترافنا بعذوبته وإنسانيته، وقدرته على الاقتراب من هموم عائلة بسيطة يخيم الموت على عائلها، ويكاد ينحصر أملها في الفكاك من مصير مُفجع؟

بالطبع لا، لأن كل من عرف وخبر واقترب من «ميكانيزم» لجان التحكيم في المهرجانات السينمائية يُدرك أن نتائجها تأتي منسجمة وقناعات أعضائها، ورؤيتها للسينما؛ فثمة لجان تؤمن أن «الفن للفن»، وتمنح الأولوية للأفلام التي تهتم بترسيخ الجماليات على حساب المضمون، بينما ترى لجان أخرى أن السينما لا بد من أن تخدم الواقع وتخاطب الإنسان وتطرح همومه الحياتية، ومن ثم تتحمس اللجنة الأولى لفيلم «الخروج للنهار»، كما حدث في «أبو ظبي» و{قرطاج» فيما تتحمس الثانية لفيلم «مانموتش»، كما حدث في الأقصر، الأمر الذي تعرضت له مراراً وتكراراً أفلام المخرج عاطف الطيب، الذي كان شديد الالتصاق بقضايا الواقع، ورغم هذا أثارت حفيظة بعض لجان التحكيم بحجة أن لغته السينمائية تتراجع كثيراً مقارنة باهتمامه المفرط بالموضوع، الذي يأتي على حساب الشكل!

إشكالية قديمة تجددت مع إعلان نتائج مسابقة الأفلام الطويلة في الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، واندفع البعض بعدها إلى اتهام العضوين المصريين في لجنة التحكيم بأنهما فرطا وتهاونا في الدفاع عن الفيلم المصري، وهو اتهام آخر فيه تجن صارخ على ليلى علوي ومحسن أحمد، اللذين نحيا «الشوفينية»، التعصب الأعمى للوطن، وانحازا إلى قناعاتهما، لكنهما لم يسلما من اتهامات ظالمة أعادت إلى الأذهان اتهام عادل إمام لزميله نور الشريف بأنه كان سبباً في حرمانه من جائزة «أيام قرطاج السينمائية» عندما كان عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، التي شارك فيها عن مصر «حتى لا يطير الدخان» (إنتاج 1984)، و{خرج ولم يعد» (إنتاج1984)، وبإعلان النتيجة فاز المخرج محمد خان بجائزة «التانيت الفضي» بينما حصل يحيى الفخراني على جائزة أحسن ممثل عن نفس الفيلم، فاستشاط إمام غضباً واتهم الشريف بأنه تآمر ضده وحرمه من الجائزة، وأعلن الحرب عليه وقاطعه لسنوات طويلة، رغم محاولات الشريف اليائسة لتبرئة نفسه، وها هو التاريخ يُعيد نفسه، وربما نجد أنفسنا على أعتاب قطيعة أو حرب شرسة للثأر من ليلى علوي ومحسن أحمد.