فلاديمير بوتين وحياة بوتيمكين العاطفية

نشر في 14-06-2013
آخر تحديث 14-06-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت من روسيا مع حبي؟ لم يعد هذا ممكناً في روسيا فلاديمير بوتين، ففي الأيام الأخيرة، قرر بوتين التأكيد من جديد على الزواج الجيوسياسي المريح بين روسيا وسورية بإتمام صفقة بيع أسلحة قاتلة لنظام بشار الأسد، وتمكين جيش الأسد من ذبح خصومه بقدر أعظم من الدقة والعزيمة. ثم قرر بوتين التنصل من زواجه بلودميلا شكريبنيفا، الذي دام 29 عاما، معلناً الطلاق بطريقة علنية مهينة إلى أقصى حد ممكن- إذ كانت زوجته تقف بجانبه- بالنسبة لسيدة روسية متحفظة.

استمرت الشائعات حول الحالة السيئة التي بلغها زواج بوتين لسنوات، حتى إن اسم عشيقته المزعومة كان معلوماً ومعلنا؛ فقيل إنها عضو في مجلس الدوما (البرلمان) عن حزب روسيا المتحدة الذي روضه بوتين. ولكن حتى الآن، كان من المحظور مناقشة حياة بوتين الشخصية علناً. بل إن بعض رؤساء تحرير الصحف فقدوا وظائفهم بسبب نشر أقل التلميحات عن حياة بوتين الأسرية.

ونادراً ما شوهد فلاديمير ولودميلا معاً على مدى السنوات العشر الماضية، وبالتالي فقد انتشر القيل والقال في موسكو وسان بطرسبرغ، وقبل بضعة أعوام، أثارت وسائل الإعلام الاجتماعية شائعات زعمت أن بوتين كان مطلقاً بالفعل وأنه تزوج للمرة الثانية لاعبة الجمباز ألينا كابييفا، التي أنجبت له ولداً. (أنجبت له لودميلا توأما من البنات).

لذا فإن ظهور الزوجين معاً في حفل للبالية بالكرملين كان حدثاً فريداً، واستغل بوتين ذلك الحدث قدر الإمكان، فقد سأله أحد الصحافيين بصفاقة، وربما بتشجيع سري من بوتين، عن حال زواجه، فأجابه بأن زواجه انتهى، في حين لاح وجه زوجته الجامد الحجري ليؤكد الخبر بصمت كان معبراً أكثر من أي كلمات.

ولكن ما السبب وراء ذلك التصريح العلني المرتب سلفاً؟ فعلى أي حال، يستطيع قيصر العصر الحديث أن يفعل ما يشاء متى شاء.

يرى البعض أن بوتين يسعى إلى تحويل الانتباه عن تأييده لحكومة سورية وعن قمعه المتزايد لمعارضيه في الداخل (كما أثبت من جديد هروب رجل الاقتصاد الرائد سيرغي غورييف من روسيا أخيراً، بعد مضايقات من الشرطة). فبظهور امرأة تُرى معه، خلافاً للودميلا، بشكل منتظم في المستقبل، يعرض بوتين لنفسه صورة ألطف في الداخل والخارج.

وإذا كان الروس- خصوصاً النساء الريفيات البسيطات- يعتقدون حقاً أن وجود سيدة أولى جديدة كفيل بإضفاء بعض التأثير الإنساني المتعاطف على رجل الكرملين الصارم، فهذا يعني أنهم ربما كانوا أكثر ميلاً إلى إعطائه فائدة الشك. وقد يثبت هذا أهميته الواضحة مع تجهيزه الآن لمحاكمة صورية أخرى- هذه المرة للناشط المناهض للفساد أليكسي نافالني، المتهم بالاختلاس. ولكن من غير الواضح ما إذا كان وجود امرأة جديدة بجانب بوتين قد يساعد في تلطيف نظرة الأجانب لدبلوماسية بوتين الهازئة وحكمه المتزايد الوحشية.

أو كما يُقال، فلعل بوتين يخطط لاستخدام دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية التي من المقرر أن تقام العام القادم في سوتشي كإطار مبهرج متكلف لعرض الزواج- وربما حفل الزفاف- على العروس المقبلة أياً كانت، والتي ربما تكون كاباييفا.

ويرى آخرون أن بوتين، مثله كمثل العديد من الروس، متحيز لكل ما هو فرنسي، فهو يريد أن يظهر أنه قادر، كمثل أكثر ساسة فرنسا شهرة، على أسر قلوب الحسناوات الفاتنات. وإذا كان بوسع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن يطلق ثم يتزوج عارضة أزياء ومغنية مشهورة عالمياً أثناء توليه لمنصبه، فإن الرئيس الروسي قادر على الإتيان بنفس الشيء أيضاً. وقد تلقى بوتين بالفعل نصائح خاصة بالجمال من أوروبي غربي فاتن آخر، رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، حيث أصبح محيا بوتين بفضل شد الوجه في عام 2010 أملس ناعماً مثل وجه برلسكوني الذي كثيراً ما يستخدم حقن البوتوكس.

ورغم هذا فإن الفحولة الإيطالية، جنباً إلى جنب مع الأحذية المصقولة والحلل اللامعة، تختلف عن النسخة الروسية غير المصقولة، ولن تفلح أي كمية من زخارف الذكر الأوروبي في إخفاء وحشية بوتين الداخلية.

والواقع أن أحد مؤشرات انفتاح النظام السياسي تتلخص في ما إذا كان الزعيم حريصاً على الظهور في المناسبات العامة مع زوجه. فهو دليل على الحداثة والمساواة، ويبدو أن حتى الزعامات الصينية والكورية الشمالية أدركت هذا أخيراً. إن مؤسسة "السيدة الأولى" علامة على أن الديمقراطيات ترى في السلطة شيئاً يمكن مشاركته، ولنقل كما يفعل بيل كلينتون أو باراك أوباما. أما الطغاة من أمثال هتلر، وستالين، وكيم إيل سونغ، فإنهم رجال حديديون أرسلهم القدر، ولا بد أن يقفوا وحدهم.

عندما أقام البلاشفة الشيوعية في محل النظام الملكي القمعي في روسيا عام 1917، كانت "دكتاتورية البروليتاريا" في عهد فلاديمير لينين تترك المجال للزعيم، ليس فقط ليتزوج، بل أيضاً لإعطاء زوجته دوراً عاماً. فلعبت ناديجدا كروبسكايا، أول سيدة أولى في عصر الاتحاد السوفياتي، دور المنادية بمنح المرأة حق الاقتراع. وعلى النقيض من ذلك، كان انتحار زوجة ستالين ناديجدا أليلوفا في عام 1939 مؤكداً لعهد الإرهاب في البلاد. ثم جاء ذوبان الجليد في عهد نيكيتا خروشوف في خمسينيات القرن العشرين ليسمح لزوجته نينا بمصاحبته في رحلاته إلى الخارج، وتقديم صورة مريحة ودودة للشيوعية بوجه إنساني.

ولكن مع سقوط خروشوف، عادت سيدة الاتحاد السوفياتي الأولى إلى المنزل الريفي. حتى إن ليونيد بريجينيف أخفى زوجته فيكتوريا عن الرأي العام طيلة سبعينيات القرن العشرين، وكانت تاتيانا فيليبوفنا زوجة يوري أندروبوف معروفة بالكاد حتى جنازته عام 1984.

وكما كانت الحال مع كل شيء آخر في روسيا، جاء تغيير وضع المرأة مع انطلاق بريسترويكا ميخائيل غورباتشيف، فأذهلت رايسا زوجة غورباتشيف الأمة، ليس فقط بظهورها في الأماكن العامة، بل أيضاً بأسلوبها العصري في التعبير عن آرائها الخاصة. ثم شهد صعود بوريس يلتسين إلى السلطة في روسيا المستقلة تراجعاً جزئياً، مع ظهور زوجته ناينا ذات الأردية الريفية بجانبه في المناسبات العامة بين الحين والآخر.

ومثلما أنشأ بوتين الديمقراطية "الموجهة"، فبوسع روسيا أن تتطلع الآن إلى زواج "موجه" في الكرملين؛ الزواج الذي يفترض أن يلطف وينعم زعيمها المستبد في شيخوخته.

* نينا خروتشيفا | Nina Khrushcheva ، مؤلفة كتاب "تخيل نابوكوف: روسيا بين الفن والسياسة"، وأستاذة الشؤون الدولية في جامعة نيوسكول، وكبيرة زملاء معهد السياسات العالمية في نيويورك.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top