في مثل هذه الأيام من العام الماضي كتبت، في هذه الزاوية، أصف جمعية نقاد السينما المصريين بأنها حالة استثنائية بين الجمعيات الأهلية المهتمة بالثقافة السينمائية في الوطن العربي، وليس في مصر فحسب. كذلك نوهت إلى مواقفها الوطنية، مذ تم إشهارها في فترة حكم الرئيس {السادات}، ودورها التنويري الذي اختارت من خلاله أن تكون جزءاً أصيلاً من الواقع المحلي والإقليمي، ونجحت طوال تاريخها في الاشتباك والتواصل مع هموم ومستجدات الأمة، ولم تُضبط يوماً متلبسة بإخفاء رأسها في الرمال، أو تحني هامتها الثقافية للعواصف والأنواء السياسية، كما هي الحال مع كثير من الجمعيات السينمائية، ومن ثم لم تترك حدثاً وطنياً من دون أن تتواجد في قلبه بتعليق عاجل أو بيان حاسم صادر عن أعضائها، ومجلس إدارتها، فكانت جرأتها موضع احتفاء، وشجاعتها محل تقدير.

Ad

كتبت ذلك وأنا أسجل استنكاري وصدمتي عقب قيام جمعية نقاد السينما المصريين، التي عُرفت بتوجهها القومي وحسها الوطني، في جلستها السنوية لاختيار أفضل فيلم مصري وأفضل فيلم أجنبي عُرضا تجارياً في مصر عام 2011، بتصنيف الفيلم اللبناني {هلأ لوين} إخراج نادين لبكي بأنه {فيلم أجنبي}!

حدث ذلك في العام الماضي، ووصفت ما جرى بأنه يُكرس إقليمية بغيضة بين الأشقاء العرب، وليس السينمائيين منهم فحسب، كما يعكس نظرة {شوفينية} ممقوتة تؤجج نار الفرقة والبغضاء، وتوسع الهوة بين أبناء الوطن العربي الواحد، كذلك تشجع الموزعين المصريين على إغلاق الباب في وجه الفيلم اللبناني أو التونسي أو المغربي بحجة أنه {فيلم أجنبي} تُطبق عليه القواعد واللوائح السارية على الفيلم الأميركي!

مرة أخرى، ومع جلسة الأسبوع الماضي التي عقدتها جمعية نقاد السينما المصريين لمنح جائزتي أحسن فيلم مصري وأحسن فيلم أجنبي عُرضا عرضاً عاماً في مصر العام 2012، قررت لجنة التحكيم، المكونة من أعضاء الجمعية أنفسهم، منح جائزة أحسن فيلم أجنبي للفيلم الأميركي Drive، الذي عُرض تجارياً في مصر تحت عنوان {قيادة} من إخراج نيكولاس ويندنج ريفن، بينما قررت، وبالغالبية، حجب جائزة أحسن فيلم مصري، في اعتراف منها بأن عروض العام الماضي خلت من الفيلم المصري الذي يستحق الجائزة!

بالطبع من حق لجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين أن تلجأ إلى الحجب، الذي يدخل في صميم اختصاص أي لجنة تحكيم في العالم، لكن عندما يتم الكشف أن اللجنة ناقشت في جلستها قائمة تضم 29 فيلماً باعتبارها {كل} الأفلام التي عُرضت تجارياً في عام 2012 ثم يتضح بعد انتهاء الجلسة، وفي وصمة عار تلاحق أعضاء اللجنة كلهم، بأن عدد الأفلام التي عُرضت بالفعل في الصالات وصل إلى 31 فيلماً، فإن هذا يعني ببساطة أن الجلسة باطلة، وأن قرار الحجب يشوبه البطلان، إذ كان بالإمكان أن تتغير النتيجة في حال قيام اللجنة {الموقرة} بمناقشة القائمة الكاملة، متضمنة الفيلمين اللذين تم إسقاطهما من الحسبان، وربما كان بمقدور أحدهما، وقتها، أن ينجح في تغيير قناعات الأعضاء، بينما يعكس ما جرى شكلاً من أشكال الإخلال الفاضح بمعايير العدالة والمساواة والموضوعية!

واقعة تعكس إهمالاً صارخاً من جمعية كانت تضم، في أحد الأيام، صفوة نقاد السينما المصرية، كما كان الانتساب إليها، والانخراط في عضويتها، شرفٌ كبيرٌ لأي ناقد شاب، وانتهى بها المطاف إلى كيان عشوائي عاجز عن الوصول إلى القائمة الكاملة لأفلام عُرضت في العام المنقضي، ومتاحة لأي باحث أو مهتم بالسينما، لكنها استعصت على نقاد لم يستوثقوا من معلومات متوافرة لرجل الشارع، وعقدوا جلسة علنية انتهت بقرار حجب يشوبه البطلان!

تكتسب جوائز جمعية نقاد السينما المصريين أهميتها من كونها الأقدم والأعرق بين جوائز الجمعيات الأهلية المهتمة بنشر الثقافة السينمائية في مصر، فضلاً عن تفرد آلية تحكيمها؛ حيث تتكون لجنة تحكيم كل دورة من أعضاء الجمعية، وتجري مناقشة الأفلام في جلسة علنية يُسمح لغير الأعضاء بحضورها، والمشاركة في مناقشاتها، قبل أن يتم استبعادهم لحظة التصويت النهائي. لكن كشفت الدورة التاسعة والثلاثين، ومن قبلها دورة العام الماضي، أن الوقت أصبح مهيئاً، قبل الدورة الأربعين، لإعادة النظر في لائحة الجمعية لتتجنب النظر إلى الفيلم العربي بوصفه {فيلماً أجنبياً}، وتضمن ألا يتم الإعلان عن الجلسات السنوية لمنح جائزتي أحسن فيلم مصري وأحسن فيلم أجنبي عُرضا عرضاً عاماً في مصر إلا بعد التثبت من حصول أعضاء لجنة التحكيم على القائمة الكاملة للأفلام، بعد توثيقها وتدقيقها، وألا يُترك الأمر للاجتهاد الشخصي والعنجهية الفردية. ووقتها فحسب ستضمن لجائزتيها الموضوعية، وتتجنب الاتهام بأنها حادت عن مسارها، وفقدت مصداقيتها، وأهانت تاريخها!