ما زلنا نرفض التدخل في سورية

نشر في 26-08-2013
آخر تحديث 26-08-2013 | 00:01
تعلم الأسد جيداً دروس الأسابيع الأخيرة: فإن لم تتدخل الولايات المتحدة أو حتى ترفع الصوت منددة بعد قتل داعمي جماعة «الإخوان المسلمين» المعتدلين في تشددهم، فلا شك أنها لن تتعامل بحزم مع ذبح الأسد المجموعات الأكثر تشدداً المناهضة للولايات المتحدة.
 ذي أتلانتك يحظى بشار الأسد أخيراً بأسبوع جيد، فلا تُعتبر الادعاءات الأخيرة عن استخدام الحاكم المستبد السوري أسلحة كيماوية مهمةً بقدر التطورات المأساوية الأخرى، خصوصاً استعداد الولايات المتحدة للوقوف مكتوفة اليدين، بينما يقوم إخوان الأسد المستبدون في المجلس العسكري الحاكم في مصر بقتل نحو ألف متظاهر بدم باردة وبدعم من بعض الدول العربية.

أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، أخيراً بكل صراحة ما كانت تفكر فيه إدارة أوباما سراً منذ شهر يونيو، حين أعلنت واشنطن آخر مرة أن سورية تجاوزت "خطّا أحمر" وتعهدت بمدّ الثوار السوريين بالسلاح، إلا أنها لم تتخذ أي خطوات. كتب ديمبسي بوضوح في رسالة وجهها إلى النائب إليوت إنجل (ممثل نيويورك الديمقراطي) أن مساعدة الولايات المتحدة الثوار ستؤدي في النهاية إلى تسليح مجموعات أصولية يُحتمل أن ترتبط بتنظيم "القاعدة"، ولا شك أن أوباما لن يقبل بأمر مماثل.

يشير كل ذلك إلى أن الربيع العربي يقف اليوم على الأرجح عند مفترق طرق تاريخي، فنشهد اليوم نهاية هذا الربيع، للوقت الراهن على الأقل. يذكر الخبير في الشأن السوري جوشوا لانديس أن الأسد تعلّم جيداً دروس الأسابيع الأخيرة: فإن لم تتدخل الولايات المتحدة أو حتى ترفع الصوت منددة بعد قتل داعمي جماعة "الإخوان المسلمين" المعتدلين في تشددهم، فلا شك أنها لن تتعامل بحزم مع ذبح الأسد المجموعات الأكثر تشدداً المناهضة للولايات المتحدة. ويضيف لانديس، وهو بروفسور في جامعة أوكلاهوما: "مع مقتل ألف شخص أو ما يُقارب ذلك وانهماك الولايات المتحدة في مناقشتها ما إذا كان عليها قطع المساعدات وكيف ومتى، يشعر الأسد بالطمأنينة، فقد تجاهل المصريون الولايات المتحدة، قائلين: لا نريد أن نتحول إلى دولة سورية ثانية، فتراجع الأميركيون، بينما راحت إسرائيل ودول الخليج تشجع الجيش المصري على ضرب المتظاهرين بقوة".

ترى الولايات المتحدة أن ما بدأ كمسيرة ملهِمة نحو الديمقراطية والتحرر من الحكام المستبدين والفساد العام تحول اليوم إلى حسابات سياسية واقعية باردة بالنسبة إلى واشنطن، فمن وجهة نظر إدارة أوباما، يقوم الجيش المصري بمهمة صعبة، مواجهاً الإسلام السياسي المتشدد، وإن بقسوة. أما في سورية، فيُعتبر الفريقان الرئيسان عدوين لدودين للولايات المتحدة: فيحارب بشار الأسد و"حزب الله" المدعوم من إيران الميليشيات الإسلامية المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، فلمَ لا ترتكز سياسة واشنطن على فكرة ترك هذين الفريقين يتقاتلان، مضعفين صفوف بعضهما؟

تشير كل التطورات إلى أن الإدارة الأميركية والبنتاغون لا يرغبان في مواجهة خطر التعرض "لرد فعل عكسي" قد ينجم عن انهيار نظام الأسد ووقوع أسلحة خطيرة بين يدَي تنظيم "القاعدة". وكما يذكر أحد الخبراء العسكريين في واشنطن، لا يشكّل الأسد خطراً كبيراً يهدد المصالح الأميركية.

 ويضيف هذا الخبير: "تأملوا كم احتجنا من وقت لنقرر دعم المجاهدين في حربهم ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي. ولا شك أن سورية أقل شأناً بكثير من الاتحاد السوفياتي".

كتب ديمبسي في رسالته أن اتخاذ القرار بشأن ما يجب فعله في سورية "لا يقوم على الاختيار بين طرفين، بل على اختيار واحد من أطراف كثيرة". ويتابع: "يجب أن يكون الطرف الذي نقرر دعمه مستعدا للترويج لمصالحه ومصالحنا، عندما تميل كفة الميزان لمصلحته. لكنهم ليسوا مستعدين لذلك اليوم".

على غرار ما حدث السنة الماضية، سعت الإدارة الأميركية يوم الأربعاء لكسب المزيد من الوقت قبل أن تحدد ما إذا كان الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية. ذكر المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أن الإدارة الأميركية "قلقة جداً حيال التقارير عن أن مئات المدنيين السوريين قُتلوا في اعتداء نفذته قوات الحكومة السورية استخدمت خلاله الأسلحة الكيماوية"، غير أنها تعمل "على جمع معلومات إضافية".

يبدو هذا المشهد مألوفًا، ففي شهر يونيو الماضي، ذكر نائب مستشار الأمن القومي، بن رودس، في تصريح له أن الإدارة الأميركية ستبدأ بتزويد "المجلس العسكري الأعلى" التابع للثوار السوريين بالإمدادات اللازمة و"أنها ستتشاور مع الكونغرس في هذا الشأن خلال الأسابيع المقبلة". ولكن ما من أدلة تُظهر أن أي مساعدة عسكرية وصلت إلى الثوار.

يوضح لاديس أن مشكلة الرئيس أوباما الكبرى ترتبط بمصداقيته، فقد بات ملتزماً بـ"رواية" لا تصمد أمام أقل تدقيق، ويضيف: "بدأنا هذه المسألة، مدعين أنها ترتبط بالديمقراطية والحرية. علينا الالتزام بهذا التفسير، فلم نقل إنها تتعلق بسوء الإدارة الاقتصادية والفقر"، مع أن هذين كانا السبب الحقيقي وراء التظاهرات، لكن اليوم، "ما عاد أحد يصدّق أنهم ديمقراطيون، وهنا تكمن المشكلة، فما نراه في مصر يشير إلى أن الولايات المتحدة بدّلت رأيها وتخلت عن جماعة "الإخوان المسلمين" وكل تلك المجموعات الإسلامية. ولا شك أن الثوار السوريين لا يختلفون كثيراً عن الإخوان المسلمين"، وهذه نقطة إيجابية إضافية للأسد.

Michael Hirsh

back to top