كل ما تفعله الممثلة غولشيفتيه فاراهاني قد يتحول إلى مسألة سياسية: كلامها، مكان تصوير أفلامها، الأشخاص الذين تعمل معهم، الأشخاص الذين لا تعمل معهم، وقرارها بارتداء الحجاب أو خلعه. قد يعتبر المتشددون في طهران أن اختيار فاراهاني إجراء مقابلة مع صحيفة {شبيغل} في مقهى داخل {هوتيل أمور} في باريس (وهو فندق كان سابقاً بيت دعارة) نوع من الاستفزاز.

Ad

لكن بالنسبة إلى فاراهاني، تعني الحرية عدم الاضطرار دوماً إلى التفكير بأحكام شرطة الأخلاق الإيرانية على كل ما تفعله. تبلغ فاراهاني 30 عاماً وهي أشهر ممثلة في بلدها. معروفة في الغرب بفضل الدور الذي تؤديه أمام ليوناردو دي كابريو وبسبب معاداة النظام الإيراني لها. تعيش في المنفى في باريس منذ أربع سنوات، على بُعد بضعة شوارع من فندق «هوتيل أمور»، وقد أصبح هذا المكان اليوم نقطة التقاء شائعة للسكان المحليين والسياح على حد سواء، بما في ذلك فاراهاني التي تزور المكان بشكل متكرر.

قالت فاراهاني: «لا أريد أن أكون شخصية سياسية. أتمنى ألا أكون كذلك». ثم سردت قصصاً عن استجوابات الشرطة السرية لها في طهران، وتلقّيها عرضاً بأداء دور سبّب ضجة واسعة في وزارة الخارجية الأميركية، وعن مسيرة مهنية جعلتها تجول حول العالم في السنوات الأخيرة، فقصدت نيويورك ولوس أنجليس وبرلين وكان والبندقية والمغرب، لكنها ما عادت تستطيع الذهاب إلى طهران حيث يقيم والداها. ستجازف بالكثير إذا عادت إلى هناك.

تبدو غولشيفتيه فاراهاني أشبه بعارضة أزياء وهي تتحدث وكأنها ناشطة في مجال الحقوق المدنية وليس لديها ما تخسره: طليقة اللسان وشغوفة حين تتكلم الإنكليزية بشكل شبه مثالي. لا ترتدي الحجاب الآن إلا إذا تطلّب الدور ذلك، كما حصل مثلاً في فيلم The Patience Stone الذي صدر هذا الشهر في دور السينما الألمانية بعدما عُرض في عدد من المهرجانات الدولية.

عرض امرأة واحدة

تقع أحداث الفيلم في أفغانستان، وهو عبارة عن عرض لامرأة واحدة وأشبه ببيان رسمي يتم سرده عبر صور مدهشة. تجسد فاراهاني دور أم لولدين تتولى الاعتناء بزوجها المصاب. يستلقي الرجل الذي يكون أكبر منها بكثير على سجادة في منزلهما، وثمة أنبوب يمتد من كيس بلاستيكي إلى فمه لإطعامه. الرجل فاقد الوعي وقد دخل في حالة غيبوبة بعدما أصابته رصاصة في عنقه، لكن تبقى عيناه مفتوحتين على نحو غريب. يمكن سماع أصوات إطلاق النار خارج المنزل في أغلب الأحيان.

تسأل المرأة زوجها: {هل تستطيع سماعي؟}. لكنها لا تتلقى أي جواب بل تتابع الكلام قائلة: {لقد اكتفيت من الصلاة}. تتحدث عن نفسها وعن زوجها وعن زواجهما حين كانت في عمر السابعة عشرة، وعن أمنياتها السرية والجنس وجميع الأمور التي تبقى غير معلنة في علاقات كثيرة، حتى في الغرب.

رجل صامت وامرأة كثيرة الكلام: قد يعتبر الأوروبيون الذين خاضوا بعض التجارب في الحياة أن هذه التركيبة أساس أي زواج سعيد، أو أنها على الأقل مادة مناسبة لعمل كوميدي ناجح. لكن في أفغانستان، قد تواجه المرأة خطر الموت إذا فتحت فمها.

وُلد عتيق رحيمي، مخرج فيلم The Patience Stone، في كابول وهو يقيم الآن في باريس. كتب الرواية التي اقتُبس منها الفيلم وقد فاز عنها في عام 2008 بجائزة غونكور، أهم جائزة أدبية في فرنسا. تردد رحيمي في البداية باختيار فاراهاني: «في البداية، شعرتُ بالقلق بسبب جمالها. خشيتُ أن تصبح القصة ثانوية». لكن تؤكد فاراهاني: «إنها مزحة طبعاً. لم يستطع أن يتصورني بدور امرأة تعاني».

عائلة فنية

لطالما حاربت فاراهاني في سبيل قناعاتها. حين كانت طالبة، قادت احتجاجاً لأن مدرستها لم تكن مزودة بنظام تدفئة. في عمر السادسة عشرة، قصّت شعرها وارتدت ملابس الرجال كي تتمكن من ركوب دراجتها الهوائية في أنحاء طهران. تتحدر فاراهاني من عائلة فنية، فقد كان والدها مخرجاً مسرحياً وتعمل والدتها وشقيقتها وشقيقها في مجال التمثيل أو الإخراج. تقول ضاحكة: «كان يُفترض أن أتجنب مهنة واحدة: التمثيل».

أرادتها عائلتها أن تنخرط في مجال الموسيقى وأن تصبح عازفة بيانو تحديداً. ارتادت معهداً موسيقياً في طهران وتعلمت عزف موسيقى موزارت وشوبرت وباخ. كانت المقاطع الموسيقية صعبة جداً بحسب قولها. كذلك أمضت سنة وهي تتعلم اللغة الألمانية استعداداً للدراسة في فيينا. لكن قبل أن تغادر فاراهاني بفترة قصيرة، حين كانت في عمر السابعة عشرة، أخبرت أهلها بأن خططها في الحياة مختلفة.

كانت قد تحدّت قرار والدها بمنعها من التمثيل عبر أداء دور في فيلم حين كانت في الرابعة عشرة من عمرها. في بداية العشرينات، تزوجت وراحت تمثل في أفلام إيرانية متلاحقة. مُنع عرض عدد من تلك الأفلام في بلدها، ما جعلها أكثر شهرة في الأسواق السوداء لبيع الأقراص المدمجة في طهران وفي المهرجانات السينمائية الدولية.

الفيلم الذي غيّر حياة فاراهاني هو Body of Lies، وهو فيلم تشويق هوليوودي للمخرج البريطاني ريدلي سكوت (من أعماله فيلم Gladiator) ومن بطولة راسل كرو وليوناردو دي كابريو. كان سكوت يبحث عن ممثلة شابة من الشرق الأوسط كي تؤدي دوراً مساعداً مهماً كممرضة يقع في غرامها دي كابريو الذي يؤدي دور عميل في وكالة الاستخبارات المركزية.

دور حاسم

بعد أسبوعين، كانت السلطات الإيرانية متعاونة على نحو مفاجئ، فجلست فاراهاني بانتظار دورها في لوس أنجليس. لم تكن قد فازت بالدور بعد، لكنها كانت لتصبح بذلك أول ممثلة إيرانية تعمل مع شركة إنتاج في هوليوود منذ الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 وغداة أزمة الرهائن في السفارة الأميركية. بسبب هذا الوضع، تردد المديرون في شركة «وارنر بروس» في اختيارها لأن الحظر الأميركي ضد إيران كان يمنع عملياً هذا النوع من التعاون.

لكن أصرَّ سكوت على اختيار فاراهاني. تشاورت شركة الإنتاج مع وزارة الخارجية الأميركية وتم التوصل إلى تسوية في نهاية المطاف، فوقّع فرع شركة «وارنر بروس» في لندن على العقد مع فاراهاني. تم التصوير في المغرب، وقد شمل الفيلم مشهداً حيث تجلس فاراهاني من دون حجاب بالقرب من دي كابريو على ضفة بحيرة وتداعب يده، ما يعني تخلّيها لفترة عن طريقة تربيتها الصالحة وفق المعايير الإسلامية.

لم يظهر ذلك المشهد في الفيلم حيث ترتدي فاراهاني دوماً الحجاب أو تضع قبعة الممرضة. لكن نُشرت مقتطفات من فيلم Body of Lies على الإنترنت تظهر فيها فاراهاني من دون حجاب للحظات. بالنسبة إلى البعض في شرطة الأخلاق الإيرانية، كانت تلك اللحظات كافية لإثارة فضيحة.

كانت فاراهاني متوجهة إلى لندن كي تشارك هذه المرة في عمل من إنتاج شركة «ديزني» وقد حمل عنواناً يناسبها: «أمير بلاد فارس» (Prince of Persia). لكن صادرت السلطات في مطار طهران جواز سفرها بسبب وجود أمر من المحكمة ضدها.

استجوابات

تقول فاراهاني إن تلك الحادثة كانت بداية «الكابوس». تم استدعاؤها بشكل متكرر لاستجوابها أمام المحكمة وأمام الشرطة السرية. ماذا كانت تفعل مع «الشيطان الأكبر»، أي الولايات المتحدة؟ هل كان فيلم Body of Lies يهدف إلى الترويج لوكالة الاستخبارات المركزية؟ لم يكن مستبعداً أن يتّهموها بتهديد الأمن القومي.

توضح فاراهاني: «يمكن أن يُشنَق الشخص بسبب هذه التهمة... الأمر بهذه البساطة!». عندما تم استدعاؤها للخضوع للاستجواب، كانت ترتدي لباسين داخليين، واحداً فوق الآخر: «في حال تم احتجازي فوراً، كان لدي لباس داخلي بديل». كان زوجها ينتظرها أمام المبنى كي يتأكد من خروجها مجدداً.

في غضون ذلك، بدأ تصوير الفيلم في لندن من دون فاراهاني. نصحها موظف في النظام الإيراني بأن تقدّم شكوى ضد المحكمة وأن تزعم أن إيران تضررت لأن دورها ذهب إلى امرأة اسرائيلية. لكن ذهب الدور في الحقيقة إلى جيما أرتيرتون، وهي إنكليزية.

استمرت الاستجوابات طوال سبعة أشهر. في غضون ذلك، صورت فاراهاني فيلم About Elly للمخرج أصغر فرهادي الذي فاز لاحقاً بجائزة أوسكار لعام 2012 عن أفضل فيلم أجنبي بعنوان A Separation. أمرت وزارة الثقافة الإيرانية فرهادي بعدم اختيار فاراهاني لكنها فازت بالدور.

على السجادة الحمراء

فاز فيلم About Elly بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين. سارت فاراهاني، بصفتها بطلة الفيلم، على السجادة الحمراء في المهرجان وعلى وجهها ابتسامة عريضة. قبل فترة قصيرة، أشفق أحد القضاة عليها ونصحها بمغادرة إيران فوراً.

منذ ذلك الحين، تعيش فاراهاني في باريس. انتهت مدة صلاحية جواز سفرها الإيراني وهي تحمل الآن أوراقاً ثبوتية فرنسية. انهار زواجها في المنفى لكن بدأت مهنتها في المقابل تحقق نجاحاً باهراً.

صورت فاراهاني فيلم Chicken with Plums من كتابة وإخراج الإيرانية المنفيّة مرجان ساترابي في شركة الإنتاج الألمانية {بابلسبيرغ}. صُوّر فيلم The Patience Stone في المغرب وشمل بضع لقطات في شوارع أفغانستان وقد استُعمل في تلك المشاهد جسم بديل تحت البرقع.

تستطيع فاراهاني أن تختار أدوارها في هذه المرحلة، ويصدف أنها تتمحور في أغلب الأحيان حول نساء متديّنات في البلدان المسلمة. فقد صوّرت فيلم My Sweet Pepper Land، وهو فيلم غربي معاصر عُرض للمرة الأولى في مهرجان {كان} في شهر مايو الماضي، وتؤدي فيه فاراهاني دور معلّمة في منطقة كردستان العراق. وفي فيلم Little Brides، تجسد دور موظفة في منظمة إغاثة تعمل لمساعدة الفتيات اللواتي يُجبَرن على الزواج في اليمن.

نفوذ حقيقي

تتابع فاراهاني طبعاً كل ما يحصل في إيران. تقول إن رئيس البلد الجديد حسن روحاني يجعلها تشعر بالتفاؤل، لكنها تحذر من أن التغيير المزعوم في إيران قد يكون مجرد استراتيجية: «يكفي أن ننظر إلى أسلافه، رفسنجاني وخاتمي وأحمدي نجاد، كي ندرك أن الوضع أشبه بالتناوب على السلطة بين حاكم قمعي يليه آخر معتدل. القائد الديني هو الذي يملك النفوذ الحقيقي».

تراقب السلطات الإيرانية بدورها ما تفعله فاراهاني. بعدما كشفت عن ثديها الأيمن لجزء من الثانية في فيديو ترويجي لجوائز سيزار السينمائية الفرنسية، تلقى والداها اتصالات من رجل يدعي أنه يمثّل السلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية وقد هددهما بقطع صدر فاراهاني رداً على ما فعلته.

قالت فاراهاني: «لا أظن أنني أستطيع العيش في إيران مجدداً. يصعب إعادة زرع الشجرة التي تُقتلع من الأرض».

أقوى الأسلحة التي تستعملها فاراهاني هي أفلامها. شاركت حديثاً في إنتاج أميركي آخر بعنوان Rosewater. الفيلم هو أول عمل إخراجي من توقيع جون ستيوارت، أهم مذيع تلفزيوني بين الأميركيين اليساريين، ويروي قصة صحافي يُعتقل ويتعرض لاستجواب وحشي. تدور الأحداث في إيران.