بعدما قلب تدخل مقاتلي «حزب الله» دفة الصراع في سورية إلى مصلحة قوات الرئيس بشار الأسد، قررت واشنطن، التي ظلت على هامش الأزمة أكثر من عامين، البدء في تسليح المعارضة السورية، في خطوة لاقت صدى دولياً كبيراً، لكنها من المستبعد أن تعيد الأمور إلى نصابها خلال وقت قريب.

Ad

استبقت الولايات المتحدة المعركة الكبرى التي يجند لها النظام السوري كل طاقته لاستعادة مدينة حلب الاستراتيجية، والحل الدبلوماسي عبر مؤتمر «جنيف 2 « المرتقب عقده الشهر المقبل، بقرار تسليح قوات المعارضة، التي أعلنت صراحة عجزها أمام تدفق مقاتلي «حزب الله» اللبناني والدعم الإيراني اللذين غيرا موازين القوى في الحرب الدائرة على أرض سورية.

فبعد سلسلة من الاجتماعات العاجلة عقدها البيت الأبيض أمس الأول، وسط تصاعد الضغوط في الداخل والخارج على الرئيس باراك أوباما ليتحرك بقوة أكبر لوضع حد للصراع، قررت الإدارة الأميركية تشديد موقفها حيال النظام السوري متهمة إياه باستخدام الأسلحة الكيميائية، ومتعهدة بدعم عسكري للمعارضة.

وأعلنت إدارة أوباما، التي اتهمت الأسد بتجاوز «الخطوط الحمراء»، أنها قامت بمراجعة لتقارير استخباراتية خلصت بنتيجتها إلى أن قوات النظام استخدمت أسلحة محظورة عدة مرات في العام الماضي من بينها غاز السارين في هجمات أدت إلى مقتل 150 شخصاً. وقال مساعد مستشار الأمن القومي بن رودز إن «الرئيس اتخذ قراراً بتقديم المزيد من الدعم للمعارضة السورية. وذلك سيتضمن دعماً مباشراً للمجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر. ومن ضمن ذلك الدعم العسكري».

وأوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الدعم يتضمن إقامة منطقة حظر جوي مؤقت فوق مخيمات تدريب المتمردين، على مساحة 40 كلم داخل سورية وسيتم فرضها بواسطة طائرات حربية مجهزة بصواريخ جو- جو داخل المجال الجوي الأردني»، مبينة أنه سيشمل أيضاً الأسلحة الخفيفة والذخيرة وأسلحة مضادة للمدرعات».

ردود دولية

ولاقت الخطوة الأميركية صدى دولياً كبيراً، فبينما أكد الاتحاد الأوروبي أمس استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي يجعل إرسال بعثة للتحقق من الأمم المتحدة «أكثر أهمية»، أيّد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون أمس موقف الولايات المتحدة، قائلاً إن بريطانيا «تتقاسم التقييم الصريح من قبل الولايات المتحدة بأن نظام بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية».

وأضاف رئيس الوزراء البريطاني أن «هذا التقييم الصريح يعيد إلى الصدارة السؤال الصعب الذي يتعيّن علينا الإجابة عنه حول ما سنفعله إزاء حقيقة أن هناك في عالمنا اليوم زعيماً ديكتاتورياً ووحشياً يستخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه تحت أنوفنا». ورحّب ممثل الائتلاف السوري المعارض في لندن وليد سفور، بقرار الإدارة الأميركية، معتبراً أنه تطور طال انتظاره، ويجب أن يُترجم إلى واقع عملي بأسرع وقت.

واعتبرت فرنسا أمس أنه من غير المرجح إنشاء منطقة حظر جوي فوق سورية في الوقت الحالي بسبب معارضة بعض أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو للصحافيين: «هناك حاجة إلى قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع يجيز القيام بعمل عسكري».

وفي حين أعلنت ألمانيا أنها «أخذت علماً وتحترم» القرار الأميركي، حثّت تركيا، التي تشهد أزمة داخلية معقدة، المجتمع الدولي إلى التوحّد واتخاذ موقف «يوجب انطلاق عملية التحوّل الديمقراطي بأسرع وقت ممكن».

تكذيب وفبركة

في المقابل، اعتبرت دمشق أمس أن الاتهام الأميركي «حافل بالأكاذيب» ويستند إلى «معلومات ملفقة». وقال مسؤول في وزارة الخارجية السورية، لوكالة الأنباء الرسمية «سانا»، «أصدر البيت الأبيض بياناً حافلاً بالأكاذيب حول استخدام أسلحة كيميائية في سورية، وذلك بالاستناد الى معلومات مفبركة سعت إلى تحميل الحكومة السورية المسؤولية عن استخدام هذه الأسلحة».

واتهم المصدر الولايات المتحدة «بتسعير العنف والإرهاب عبر تسليح المجموعات الإرهابية، وأن القرار الأخير يعكس تورطها المباشر في سفك دماء الشعب ويثير تساؤلات جدية حول صدق نواياها في حل سياسي للأزمة».

في السياق، شككت روسيا في اتهامات الولايات المتحدة لنظام الأسد، حيث قال المستشار الدبلوماسي في الكرملين يوري اوشاكوف أمس: «ما قدمه الأميركيون يبدو لنا غير مقنع وسيعقد جهود السلام»، بينما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما النائب اليكسي بوشكوف إن ادعاءات الولايات المتحدة «مفبركة ومختلقة في المكان نفسه الذي اختلقت فيه الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل في العراق».

وفي تصريح لصحيفة «هَموديّاع» الإسرائيلية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن «البديل لنظام الأسد هو الفوضى التي ستسود في المنطقة بعد انتقال الحكم إلى راديكاليين متطرفين».

ميدانياً، وبينما قال مقاتلو المعارضة السورية، الذين يواجهون ضغطاً شديداً على أرض المعركة بعد دخول مقاتلي «حزب الله» اللبناني في المعركة، إنهم يخشون أن تلجأ قوات الأسد إلى استخدام أوسع نطاقاً للأسلحة الكيماوية ما لم تعقب الولايات المتحدة تعهدها بتقديم دعم عسكري بتحرك صارم وسريع، وقعت أمس معارك ضارية في مدينة حلب. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات النظام قصفت حي الصاخور ما أدى إلى مقتل شخصين على الأقل.

(واشنطن، دمشق، موسكو -

أ ف ب، يو بي آي، رويترز)