«أعطانا الطائف أربعة وستين نائباً ويجب أن ننتخب أربعةً وستين نائباً». خطّت هذه العبارة الشهيرة التي أطلقها البطريرك الماروني السابق الكاردينال نصرلله بطرس صفير قبيل الانتخابات البرلمانية في لبنان لعام 2009، عميقاً في الوجدان اللبناني عامةً والمسيحي خاصة، إذ عانى مسيحيو لبنان بعد إنهاء الحرب الأهلية باتفاق الطائف (رعته السعودية والولايات المتحدة وسورية) الإحباط والغبن من جرّاء التغييب القسري لقياداتهم عن الساحة السياسية واتخاذ القرار بسبب سقوط البلاد تحت هيمنة النظام السوري.

Ad

فرغم تأكيد «الطائف» ضرورة المحافظة على «المناصفة» في لبنان (بين جناحيه المسلم والمسيحي) فإن ذلك المبدأ بقي صورياً خلال عهد الوصاية السورية، خصوصاً في ظل سجن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ونفي زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون.

أما اليوم وبعد عودة هذين الزعيمين وغيرهما من القيادات المسيحية إلى ممارسة دورهم السياسي، بقيت المشاركة المسيحية في الحكم والقرار منقوصة بفعل القوانين الانتخابية التي وضعت العديد من نواب هذه الطائفة (64 من أصل 128 نائبا لبنانيا) في دوائر انتخابية يشكّل الصوت المسلم الأكثرية الساحقة أو المرجحة فيها.

ومع اقتراب موعد استحقاق الانتخابات البرلمانية مع بداية الصيف المقبل، يدور نقاش حيوي حالياً حول اعتماد قانون جديد للانتخاب، يضمن حق كل اللبنانيين بالتمثيل. وقدّم لقاء فعاليات الطائفة الأرثوذكسية اللبنانية اقتراحاً يهدف إلى تحقيق المناصفة الفعلية برأيهم، ويقضي بالسماح لكل طائفة لبنانية بانتخاب ممثليها حصراً لتحقيق المناصفة الفعلية التي كفلها «الطائف»، في ما بات يُعرف باسم «القانون الأرثوذكسي».

وحاز هذا الاقتراح موافقة القيادات المسيحية المختلفة والمتوزعة بين فريقي 8 و14 آذار المتنافسين سياسياً في لبنان، إلا أن مواقف القيادات الإسلامية على اختلافها منه تتراوح حتى الساعة بين موافقة مبدئية مسايرةً للحلفاء المسيحيين، ورفض تام بحجة أنه يعيد عجلة عملية إلغاء الطائفية السياسية في لبنان إلى الوراء.

وتجدر الإشارة إلى أنه من حسنات الاقتراح الأرثوذكسي، أنه ينقل التنافس بين المذاهب في لبنان إلى داخل كل واحد منها على حدة، وينزع مبدئياً فتيل شبح اندلاع حرب أهلية.

قد لا يشكّل المسيحيون في لبنان نصف عدد السكان، فوجودهم تقلّص ديموغرافياً بشكل كبير بعد الحرب، ونسبة الولادات حالياً ليست في مصلحتهم، وبات معروفاً أنهم يعدّون 33% أو أكثر من ذلك بقليل من السكان، إلا أن القيادات الإسلامية اللبنانية لطالما أكدت مراراً تمسّكها بهم وبالشراكة معهم. وقد أطلق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في هذا السياق، عبارته الشهيرة: «نحنا بلبنان أوقفنا العد» (أي توقفنا عن تعداد الناس على أساس طوائفها بالعامية).

قد لا يتم في نهاية المطاف اعتماد اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي كأساس لانتخابات عام 2013، وهو أغلب الظن، لكن المناصفة والشراكة الحقيقية لا تتحققان سوى بضمان حقوق جميع اللبنانيين بإبداء الرأي والمشاركة في الحكم، إلا إذا كان هناك مَن لا يؤمن بالمناصفة ويريد تغيير النظام اللبناني، وهذه متاهة لبنانية أخرى.