تشهد الكواليس السياسية لـ«قوى 14 آذار» نقاشات معمقة في شأن السياسات الواجب اعتمادها للتعاطي مع المرحلة المقبلة في لبنان، لاسيما لناحية التعاطي مع حزب الله وتشكيل الحكومة الجديدة وسياسة لبنان الخارجية وغيرها من الملفات الأمنية والعسكرية والإدارية في ضوء تجربة الثورة المصرية الأخيرة والمواقف العربية والدولية منها.

Ad

وترى جهات قيادية بارزة أن العبرة الأساسية الواجب استخلاصها من الثورة المصرية تتمحور حول ضرورة انتقال «قوى 14 آذار» من مرحلة ردة الفعل على ما يقوم به حزب الله الى مرحلة الفعل واستعادة زمام المبادرة بحيث تضع هذه القوى حزب الله في موقع ردة الفعل.

وتشير الجهات المذكورة الى أن حزب الله في لبنان اليوم ليس أقوى مما كان عليه الإخوان المسلمون في مصر في ظل رئاسة محمد مرسي الذي نجح على مدى أكثر من سنة في «أخونة» معظم المفاصل السياسية والإدارية والقضائية والأمنية والعسكرية والاقتصادية للدولة في مصر. فحزب الله وإن كان قد نجح في الإمساك ببعض مواقع القرار الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي في لبنان إلا أنه لايزال غير قادر على التحكم برئاسة الجمهورية والحكومة وبكثير من التعيينات في مواقع حساسة.

 

مواجهة حزب الله

 

وإذا كان الإخوان المسلمون قد اتكلوا في محاولة تثبيت أقدامهم في مصر على الدعم الخارجي المتمثل بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وامتداداته وتحالفاته التركية والقطرية وبغطاء أميركي– أوروبي، ومع ذلك فقد فشلوا في ترويض خصومهم في الثورة المصرية وإسكاتهم وإخضاعهم، فإن الدعم الخارجي لحزب الله المتمثل بإيران ونظام الرئيس بشار الأسد في سورية بغطاء روسي – صيني يبقى أقل تأثيرا وفاعلية بكثير من الغطاء الخارجي للإخوان المسلمين في مصر، وهو ما يتطلب بالتالي من «قوى 14 آذار» ثقة بالنفس وبالقدرة على منع حزب الله من إخضاعها وإسكاتها وفرض شروطه عليها وعلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية.

وترى الجهات القيادية في «14 آذار» في ضوء هذه القراءة أن المطلوب من قيادات الصف الأول صياغة تصور لمواجهة المرحلة المقبلة، مع اقتراح الآليات التنفيذية لهذا التصور، تمهيدا لعرضه على القوى الإقليمية الفاعلة التي دعمت الثورة المصرية الثانية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، للحصول على دعمها السياسي والمادي في وضع هذا التصور موضع التنفيذ بدءا بتشكيل حكومة جديدة يستفاد في تشكيلها من نموذج تشكيل الحكومة المصرية بحيث لا تضم شخصيات نافرة في مواقفها السياسية، وتحمل مقاربات حوارية سياسيا، واصلاحية اقتصادياً.

 

ورقة رابحة

 

ويلفت أصحاب هذا الرأي من قيادات «14 آذار» الى أن هذه القوى تملك ورقة رابحة تتمثل في كون توجهاتها وأهدافها تصب في خانة الشرعيتين العربية، خلافا لحزب الله الذي تصب استراتيجيته في خانة الدول «المارقة» إقليميا.

أما على الصعيد الدولي فإن قدرة مجلس التعاون الخليجي على تأمين الغطاء الأوروبي والدولي لـ«ثورة لبنانية» جديدة تكون استكمالا لـ«ثورة الأرز» تبدو أسهل بكثير من قدرتها على تأمين الغطاء للثورة المصرية الثانية في مواجهة «الإخوان المسلمين» الذين كانوا قد فتحوا منذ سنوات خطوط اتصال وعلاقات متينة مع الإدارة الأميركية والإدارات الأوروبية خلافا لحزب الله المهدد بإدراجه على لوائح الإرهاب العالمية.

وتعتبر قيادات «14 آذار» أن حزب الله يسعى الى بسط سيطرته على لبنان ومؤسساته الدستورية من خلال استنساخ شعار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد القائل: «سورية ولبنان شعب واحد في دولتين»، في حين أن الأمين العام لحزب الله يعمل على سياسية: «لبنان وسورية حرب واحدة في دولتين»... وهو ما يتطلب من «قوى 14 آذار» قرارا حاسما بالمواجهة ينقل الى عواصم القرار العربية والدولية طلبا لمساعدتها وتغطيتها.

ويخلص أصحاب هذه المقاربة الى أن نجاح مثل هذه السياسة يتطلب قبل اي شيء تظهيرا لقرار المواجهة عند اتخاذه، بما يشجع الشرعيتين العربية والدولية على تقديم المساعدة، في حين أن انتظار التطورات من دون التأثير فيها وتسييرها يبقي لبنان على هامش اهتمامات هذه الدول.

ويتوقف هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر عن التعاطي العربي والدولي مع مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان بحيث ان غياب القرار اللبناني والمؤسسات الراعية لهذا القرار دفع بالمجتمع الدولي الى التعبير عن عدم ثقة ضمنية بلبنان فكلف البنك الدولي بتأخير سنتين إدارة صندوق خاص لمساعدة النازحين السوريين في لبنان، في حين أن مبادرة المصريين الى اتخاذ زمام المبادرة بتسيير أمورهم دفع بالدول العربية الخليجية الى إغداق مساعدات مالية نقدية على مصر بقيمة تجاوزت الـ15 مليار دولار في غضون أقل من 48 ساعة سلمت الى الحكومة المصرية لتتصرف بها وفقا لاحتياجاتها في ترسيخ الاستقرار.