عندما تفر الثيران
صار ملحوظاً في السنوات الأخيرة بروز ظاهرة فرار الطغاة خشية المساءلة والمحاسبة، والطغاة أيا كانوا هم من نفس الطينة ونفس المعدن، مهما اختلفت دياناتهم أو مذاهبهم أو أعراقهم أو لغاتهم. ومع أن الطغاة يحاولون تجديد جلودهم وأساليبهم حسب الزمن ومتغيراته، إلا أن خياراتهم أصبحت محدودة وبدأت بدائلهم تتقلص شيئاً فشيئاً، ومن ثم يصبح الفرار لا مناص منه.والطغاة المقصودون هنا ليسوا حكاماً فقط، لكنهم قد يكونون مسؤولين عن أجهزة أمن عاثت في الأرض فساداً، وارتكبت مجازر وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية. ومن المؤكد أن التطور اللافت في القانون الجنائي الدولي قد أسهم بشكل كبير في بروز ظاهرة الفرار تلك، التي كان آخرها فرار جوزيف كوني أحد زعماء جيش الرب في أوغندا إلى منطقة تحت سيطرة الجيش السوداني، وكأنه يكرر مصير ريتشارد تايلور طاغية ليبيريا السابق الذي ظل يفر من مكان إلى مكان حتى انتهى به الأمر بالحكم عليه قبل عدة أشهر بالسجن مدة خمسين عاماً حيث يقبع وراء القضبان في لاهاي بهولندا.
لصديقنا الشاعر أحمد مطر قصيدة قديمة، وهي من القصائد القليلة له التي غنتها فرقة تونسية، أظنها تدعى شمس، والقصيدة تتحدث عن كيفية ومبررات فرار الثور من الحظيرة، والأثر النفسي الذي يصيب العجول وبقية أفراد الحظيرة، وتحمل ملامح من النهج الذي أبدعه جورج أورويل في رائعته "مزرعة الحيوانات"، وفيها يقول مطر:الثور فر من حظيرة البقر، الثور فرفثارت العجول في الحظيرة، تبكي فرار قائد المسيرةوشكلت على الأثرمحكمة ومؤتمرفقال قائل: قضاء وقدر وقائل: لقد كفروقائل: إلى سقروبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرةلعله يعود للحظيرةوفي ختام المؤتمرتقاسموا مربطه، وجمدوا شعيرهوبعد عام وقعت حادثة مثيرةلم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة