السقوط في الامتحان!

نشر في 24-06-2013
آخر تحديث 24-06-2013 | 00:01
 صالح القلاب لم يكترث الإخوان المسلمون، "إخوان" الأردن ومصر على وجه الدقة والتحديد، و"الإخوان" في كل مكان بكل النصائح التي أسديت إليهم، سواء كانت هذه النصائح من محبين أو محايدين أو متحاملين ومغرضين بأن عليهم، بعد هذا الزلزال الهائل؛ السياسي والاجتماعي والثقافي الذي ضرب المنطقة، أن يراجعوا حساباتهم وأن يدققوا ملياً في برامجهم السابقة، هذا إنْ كانت لديهم برامج لا مجرد شعارات وصراخ عقائدي تحريضي بات غير مجدٍ، ليدركوا أنهم سيبقون يدورون حول أنفسهم وسيبقون يقدمون لجماهيرهم "جوزاً فارغاً" على غرار ما بقي سائداً على مدى خمسة وثمانين عاماً إن هم لم يتحلوا بالشجاعة والجرأة ويتخلوا عن ماضٍ ما عاد يصلح إطلاقاً لهذه المرحلة المستجدة التي تستدعي الاستجابة لمتطلباتها التخلي عن كل هذا الموروث الذي عفى عليه الزمن، والذي من المفترض أن أصحابه قد أدركوا أنه لم يعد صالحاً وبات خلف المسيرة التاريخية.

لقد مر عام كامل على وصول الحكم إلى إخوان مصر، الذين هم التنظيم الأم والذين بقوا يعطون إلى إخوانهم في كل مكان "المرشد العام" الذي له معظم صفات وصلاحيات "الولي الفقيه" في إيران، ومع ذلك فإنهم مازالوا يتخبطون ومازالوا غير قادرين على تسيير أمور بلدٍ فيه من التعقيد والمشاكل والتحديات ما جعل هؤلاء يبدون كمن يسبح في فضاءٍ سديمي بلا نهاية، لا يعرف ماذا يفعل وكيف يتخلص من مجرد الدوران حول نفسه.

لأكثر من خمسة وثمانين عاماً بقي الإخوان المسلمون يتضورون جوعاً للحكم، وهُمْ من أجل إشباع ولو بعض نهمهم إلى السلطة، هادنوا في البدايات كل حكام مصر؛ من الملك فؤاد إلى الملك فاروق إلى عبدالناصر إلى أنور السادات إلى حسني مبارك إلى المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي.

وها هم الآن يتصرفون، عندما التقطوا اللحظة التاريخية التي بقوا يطاردونها كل هذه السنوات الطويلة، كطفل أعطي لعبة غريبة معقدة أكبر من عمره كثيراً لم يستطع التعامل معها واضطر في النهاية إلى سحقها بقدميه بدلاً من أنْ يعطيها إلى من هو أكثر معرفة منه وقادر على التعامل مع هذه الآلة العجيبة.

كان الاعتقاد في البدايات أن "الإخوان" الذين بقوا يُتقنون الهدم ولا يعرفون أي شيء عن البناء سوف يعطون أنفسهم وبلدهم وشعبهم فرصة بأن يقتربوا من السلطة ويؤجلوا الاستحواذ عليها إلى ما بعد مرحلة انتقالية يتدربون خلالها على ما لا معرفة لهم به.

لقد كان عليهم أن يكتفوا بأن يكونوا أكثرية في البرلمان، وأن يتخذوا دور المراقب ليتعلموا من أخطاء الآخرين، وكل هذا لأن مصر، البلد العظيم، لم يعرف الديمقراطية منذ عهد مينا إلى عهد عمرو وعهد جمال، ولأنهم هم أنفسهم غير ديمقراطيين، لأن حزبهم مثله مثل الأحزاب الشمولية الأخرى مستبدٌ في رأيه وتطلعاته ومنطلقاته ويرفض حتى النظر إلى المرآة كي لا يرى له أيَّ شريك، حتى وإن كان هذا الشريك هو صورته.

لم يفعل الإخوان المسلمون (المصريون) هذا، وهم بدلاً من أن يمنحوا أنفسهم وشعبهم وبلدهم مرحلة انتقالية بادروا إلى التكالب على السلطة التي بقوا أكثر من ثمانين عاماً يتضورون إليها جوعاً، كما يتكالب الأكلة على القصعة، وهكذا فإنهم أقصوا جميع الآخرين، بمن في ذلك الذين ساندوهم في الانتخابات الرئاسية التي جاءت بـ"مرسي" إلى موقع لم يكن يحلم به يوماً، وهكذا فإنهم استحوذوا على الحكم بأسوأ من طريقة استحواذ الناصريين والبعثيين والقوميين عليه، وبالتالي فإنهم أوصلوا البلاد والعباد إلى هذا التخبط الذي لا يستطيع أي كان التكهن بما ستصل إليه مصر، وبما سيصل إليه الشعب المصري.

والمشكلة هنا، وهي مشكلة عويصة ومكلفة، أن "الإخوان" في مصر، وهم التنظيم الأم، والإخوان في الأردن وفي كل مكان، يصرون على عدم الخروج من الدائرة التي رسمها لهم حسن البنا قبل خمسة وثمانين عاماً، وأنهم يعتبرون كل مطالبٍ لهم بوقفة مراجعة للتخلي عن ماضٍ لم يعد يصلح، وهو لم يكن يصلح أساساً وللتلاؤم مع معطيات اقتحمت أبواب منطقتنا ومسيرتنا بدون استئذان، بأنه عدو مبين.

وهذا يعني أنهم ذاهبون إلى الزوال لا محالة، كما زالت الشيوعية العالمية التي كانت تعيش التحجر الفكري نفسه الذي يعيشونه الآن، وكما زالت الحركة القومية العربية كأحزاب وتنظيمات وكنظرية "ديماغوجية" بائسة ما لبثت أن أصبحت مطية لـ"العسكر" الذين أوصلوها إلى كل ما جرى في العراق وسورية، واليمن الجنوبي... وفي أرض الكنانة نفسها أيضاً.

back to top