مؤتمر الثقافة العربية

نشر في 27-08-2013
آخر تحديث 27-08-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي اشرأبت أعناق الشعوب العربية إلى زرقة السماء في نهاية عام 2010 وبداية العام 2011، مع انطلاق الثورات العربية، فلأول مرة في التاريخ العربي الحديث، تهبّ الشعوب بانتفاضات سلمية خارجة على ظلم ودكتاتورية الحاكم، كاسرة حاجز الخوف الذي ظل لعقود مسيطراً على سلوك المواطن، بالنظر إلى بطش ودموية سلطات الحكم.

على امتداد التاريخ العربي الحديث ومنذ العقود الاولى للقرن العشرين، كان الخلاف والاختلاف ونفي الآخر يقع بين السلطة الحاكمة والأحزاب المناوئة والمفكرين والكتّاب والفنانين، وكان أوضح أشكال هذا الخلاف يتجلى في ملاحقة وسجن المعارضين أو تعليقهم على أعواد المشانق بحجة قيامهم بمحاولات انقلابية، لكن تاريخاً جديداً كُتب مع بداية عام 2011، حين فوجئت السلطة بوجود نفسها تقف في خندق بينما الشعب، بمختلف أطيافه، يقف في الخندق المواجه، وكان موقف الجيش المصري في ثورة يناير 2011، حداً فاصلاً بين أن يكون الجيش لحماية الشعب، أو يكون سيفاً مصلتاً على رقاب الشعب.

دخلت أقطار الوطن العربي جادة جديدة بمعطيات جديدة: سياسياً وعسكرياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً وفنياً. ولأن المواطن العربي عاش عقوداً من الظلمة فإنه توسم في الثورات مشعلاً يضيء القادم من الأيام، وإذا صح هذا القول في حركة الجماهير وتخلصها من سطوة الحاكم، فإن صفعةً ووجعاً أصاب الفكر والأدب والفن، بدءاً بسحب البساط من تحت أقدام المبدع والمفكر العربي، بتخلفه عن الصفوف الأولى، وثانياً باستماتة المواطنين وانصرافهم بكامل اهتمامهم إلى محاولة إنجاح الثورات الوليدة، والتكييف مع معطياتها وجني ثمارها اليانعة. وأخيراً انشغالهم القاتل في تأمين لقمة العيش ومتابعة الحدث السياسي الراكض في تغيره وانعكاسه المباشر على حياتهم. ووسط هذه الحالة الجديدة، ما كان ممكناً الالتفات إلى رواية أو قصة أو قصيدة أو لوحة أو مسرحية، إلا بمقدار تعلق ذلك كله بما هو دائر، وتوفر الوقت له، وكأن أجناس الأدب وصنوف الفن باتت بطراً لا مجال للوقوف عنده!

إن نظرة فاحصة إلى مواد الصفحات الثقافية في الجرائد والمجلات العربية، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أن شعوب تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والعراق والبحرين والجزائر وحتى الأردن والمغرب ولبنان ما عادت معنية بالإبداع إلا بمقدار فسحة الوقت الزائد المتوافرة لديها، وأن الناقد العربي بات مطحوناً بالوضع الجديد، إن لم يكن قد تشرد في أصقاع الأرض بحثاً عن مأوى!

انعكس وضع ثورات الشعوب العربية على انتاج الكتاب العربي، وعلى المكتبة العربية الإبداعية، وبات الكثير من الكتّاب العرب يفكر ملياً قبل الإقدام على طباعة ونشر كتاب جديد، وربما خلت الصفحات الثقافية، إلا ما ندر، من أي وقفات نقدية لرواية أو قصة أو ديوان شعر!

انسحاق الشعوب العربية بالحدث السياسي والعسكري الوحشي الدائر، وانصرافها عن الأدب والثقافة، وتشتت المبدعين العرب وضياعهم في نواحي المعمورة، وتقهقر حركة النقد العربي، كل هذا مجتمعا، يحتم على وزراء الثقافة والإعلام في دول الخليج العربي ضرورة التفكير بعقد مؤتمر للمفكرين والمبدعين والمثقفين العرب، لجمع شتاتهم، والوقوف على معاناتهم الحياتية، وتصوراتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية تجاه ما هو دائر، وقراءاتهم للقادم من الأيام وما يخبئه المستقبل، وأخيراً وضع ملامح خطة عربية للتعامل مع الثقافة والجماهير في عهدها الجديد. وأظن أن دولة الكويت، ولأكثر من سبب، هي الدولة الخليجية المؤهلة والمقتدرة على الترتيب لهذا المؤتمر. وبما يعيد للكويت أخذها لزمام المبادرة الفكرية والثقافية العربية، وأن يسجل لها التاريخ العربي، تنبهها لأهمية الثقافة في حياة الشعوب، ومنا إلى معالي وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب، الشيخ سلمان الحمود.

back to top