القوى اللبنانية المتصارعة تتسابق على توظيف المتغيرات المصرية ومدلولاتها لمصلحتها الداخلية

نشر في 09-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 09-07-2013 | 00:01
تعكف القيادات السياسية والحزبية اللبنانية على دراسة معمقة لتطورات الأوضاع الإقليمية في الدول المحيطة بلبنان أو تلك المؤثرة فيه، لاستخلاص العبر ومحاولة رسم خارطة طريق لما يمكن أن يؤول إليه المستقبل اللبناني القريب سياسياً وأمنياً، خصوصاً في ظل المستجدات في كل من تركيا وقطر ومصر وإيران.

وتنطلق هذه القيادات من مسلمات تغيير جدي تشهده الأوضاع الداخلية في الدول المذكورة التي يجمع في ما بينها نفوذ التيارات الإسلامية في أنظمة الحكم التي كانت قائمة في بعضها، والتي لا تزال قائمة في بعضها الآخر.

فسقوط نظام حكم الإخوان المسلمين في مصر بعد إزاحة الرئيس محمد مرسي جاء في رأي هذه القيادات كنتيجة طبيعية للتغييرات التي شهدتها اثنتان من الدول الراعية لهذا النظام أي تركيا وقطر.

فالتظاهرات ضد رئيس الحكومة التركية الإسلامي رجب طيب أردوغان شكلت مؤشرا واضحا على مشاكل تركية داخلية ستجبر أردوغان على إيلاء الوضع الداخلي في تركيا الأولوية على حساب الدور الإقليمي لإخوان تركيا.

وانتقال السلطة في قطر من الشيخ حمد بن خليفة إلى نجله الشيخ تميم بن حمد سيدفع الدوحة بدورها إلى إعطاء الأولوية لإعادة ترتيب البيت الداخلي لدولة قطر وتركيبة الحكم فيها.

في المقابل، أظهرت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً نية لاستعادة زمام المبادرة السياسية على المستوى الإقليمي بعد انكفاء ملحوظ لسنوات استفاد في خلالها تحالف «الإخوان المسلمين» من تفاهم ضمني مع الولايات المتحدة الأميركية رعت في خلاله قطر وتركيا كلاً من حكومة حماس في غزة، وحكومة محمد مرسي في مصر، وبعض القوى السياسية الفاعلة في تونس وليبيا، وصولا الى قسم من ناشطي الثورة السورية.

وانطلاقا من هذه الصورة التي تضاف إليها نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران التي أوصلت الإصلاحي حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران، تنكب القيادات السياسية اللبنانية على التكيف مع المستجدات في ظل قراءات متناقضة لما يمكن أن تعكسه هذه المتغيرات على الوضعين السوري واللبناني.

فـ«قوى 8 آذار» تعتبر أن ما تشهده المنطقة هو سقوط لمنظومة «الإسلام السياسي السني» الذي سعت كل من قطر وتركيا إلى رعايته، في مقابل نجاح إيران في اجتياز الانتخابات الرئاسية بهدوء يضمن استقرار النظام، ونجاح الرئيس السوري بشار الأسد في التقاط أنفاسه بما يبعد شبح سقوط نظامه ولو على المدى القريب. وانطلاقا من هذه القراءة، يرى «حزب الله» وحلفاؤه أن الوضع اللبناني يجب أن يتأثر بموازين القوى الجديدة على قاعدة الدفع باتجاه قيام إدارة سياسية وعسكرية وأمنية لبنانية تتلاءم مع «النجاحات» التي حققها المحور الإيراني- السوري في مواجهة خصومه الإقليميين المؤثرين في الوضع اللبناني. وتنعكس هذه القراءة مزيداً من التصلب في ملفات تشكيل الحكومة الجديدة ومستقبل قيادة المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية على قاعدة تدفيع «قوى 14 آذار» مزيدا من الأثمان وإجبارها على السير بأمر واقع جديد تقدم فيه تناولات جديدة.

في المقابل، فإن «قوى 14 آذار» تعتبر أن المتغيرات الإقليمية تصب لمصلحتها، لأن سقوط منظومة «الإخوان المسلمين» ورعاتها سيسمح لدول الاعتدال العربي الخليجية بلعب دور يصب في مصلحة الثورة السورية و«قوى 14 آذار». وتستند هذه القراءة إلى أن الغرب الذي كان يتردد في تقديم الدعم العسكري الحاسم للثورة السورية بسبب نفوذ الإسلاميين فيها سيكون أكثر استعداداً لتغيير موقفه بعد ما شهدته مصر من تراجع لدور الإخوان ونمو لحركة المطالبين بدولة مدنية لا يمسك بها المتطرفون.

أما إيران وعلى الرغم من استبعاد أية متغيرات جذرية في استراتيجيتها القائمة على توسيع نفوذها وترسيخ دورها وتأثيرها الإقليمي وبالتالي الدولي، فستكون في ظل رئاسة حسن روحاني من الناحية التكتيكية على الأقل ملزمة بمتغيرات في شكل ممارسة سياستها يسمح لدول الخيج العربي بالاستفادة منه لإعادة بناء الحد المطلوب من التوازن السياسي مع طهران.

من هنا تعتبر «قوى 14 آذار» أن حزب الله وحلفاءه سيجدون أنفسهم مضطرين لتقديم تنازلات لمصلحة منطق الدولة المتوازنة في لبنان من خلال تشكيل حكومة لا تخضع لسيطرة الحزب وحلفائه، ومن خلال إعادة التوازن إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية وقطع الطريق على محاولات حزب الله فرض مزيد من نفوذه وتأثيره على المؤسسات الشرعية والرسمية وقراراتها.

ويلفت المراقبون في قراءتهم إلى الحركة الإقليمية التي قام بها خلال الأيام القليلة الماضية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا سيما من خلال زيارته للبنان، والمواقف التي أطلقها لمصلحة الشرعية اللبنانية. ويعتبرون حركة عباس الفلسطينية مؤشراً على ما ستكون عليه الأوضاع اللبنانية بحيث سينسحب انتعاش «الشرعية الرئاسية الفلسطينية» على «الشرعية الرئاسية اللبنانية» التي ينتظر أن تركز اهتمامها مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة تمام سلام على إنجاز تركيبة حكومية تتميز بالحد المطلوب من التوازن ولو تطلب ذلك بعض الوقت.

back to top