ماذا يتطلّب منا الكُره ليستوطننا؟! ليستحلّ قلوبنا ومشاعرنا؟!

Ad

وهل يتطلّب الكُره منا أكثر مما يتطلّبه الحب منا، أم العكس؟!

ماذا نحتاج لنكره؟! ماذا نحتاج لنمتلئ بالحقد؟!

ماذا نحتاج لنصبح ظلمة داكنة، شديدة العتمة؟!

أم أن الكُره لا يتطلّب شيئاً، فكلّ فرد منا يولد وهو إما مجبول على الحب أو مجبول على الكره، وبذلك لا يتطلب الأمر كثير عناء ليحب المرء فينا أو يكره، فهو أصلا مسيّر لما وُلد عليه ومهيأ له من الضوء أو العتمة؟!

لا أظن رغم كل ما قيل أن الكره والحب وجهان لعملة واحدة، ولا ينبغي لهما أن يكونا كذلك!

حتى وأن تقاطعت وجوه المشاعر بينهما بصورة سريالية إلا أني أظن أن هذين البحرين وإن التقيا فبينهما برزخ لا يبغيان، فيبقى الماء الفرات فراتاً، ويبقى الآخر ملحاً أجاجاً!

الكُره يتطلّب منا عملاً كبيراً وعظيماً لتفيض بحاره فينا، وتلتهم مرافئ سكينتنا، ونخيل إنسيتنا الباسقة.

يتطلب منا أن تتشوّك أرواحنا حتى آخر فسحة فيها،

وأن نقطف كل النجوم من سماواتها ونرمي بها في سلة الليل ونحكم أغلاقه عليها!

يتطلب منا الكره ليصطفينا رسلاً له أن نغتسل بقطران البشاعة أربعين يوماً متتالية بلياليها.

وأن يعمّدنا الوسواس الخنّاس بماء الشر، ويبارك رائحة أنفاسنا النتنة،

يتطلب الكره منا لنصبح أبناءه البررة أن نقاطع رائحة الطيب سنة كاملة، وألا تستحمّ أرواحنا ولا تقرب الماء الطاهر سنة أخرى!

وأن نعمل على إطالة أظافرنا قدر الإمكان، والحرص على أن تكون قوية وصلبة وحادة، وأن تكون أصابعنا سكاكين مسمومة،

وأن نصبح أسرى سجن حار رطب مُنتن باختيار أنفسنا، وبكامل إرادتنا أو ما تبقى منها!

سجن من المشاعر السوداء لا ننشد فيه حرية، ولا ننوي منه الفرار،

نتأقلم مع مياهه الآسنة، ونتعايش مع خفافيشه وجرذانه السمينة،

سجن انفرادي مظلم لا تعرف له الشمس طريقاً ولا تراه، جليسنا وأنيسنا الوحيد هو الشيطان، يقرأ علينا تعاليمه، ويُحفظنا ترانيمه الشرسة،

الكره يتطلب منا عملاً شاقاً ومضنياً، إلا أنه في البداية يبدو لنا سهلاً وبسيطاً، ولا نكتشف أنه على غير ذلك إلا عندما يحكم قبضته على أرواحنا فلا نكاد نقوى الخلاص!

وربما هنا تحديدا هو يتقاطع مع الحب،

ويتقاطع مع الحب أيضاً في أنه لا يقبل أنصاف القلوب، ولا أنصاف المواقف، ولا أنصاف حروف الهجاء، ولا نصف العبودية!

الحب والكره لا يقبلان من المرء عيناً واحدة، ولا أذناً واحدة، ولا رجلاً واحدة، وأحياناً قد لا يكتفيان بعمرٍ واحد،

إلا أن الفرق العظيم بين الحب والكره هو أن الأول يأخذ العمر رهينة للنور، بينما الآخر يأخذه رهينة للظلام، الأول يمنحك أجنحة لتسمو عاليا في السماء مع الملائكة، بينما الكُره يمنحك فأساً لتحفر قبرك تحت الأرض مع الشياطين.